إلّا أن الراوندي روى عن رجل مراديّ (رباب بن رياح) قال : كنت بالبصرة واقفا على رأس أمير المؤمنين عليهالسلام بعد القتال ، إذ أتاه ابن عباس فقال له : إنّ لي حاجة! فقال عليهالسلام : ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها : تطلب الأمان لابن الحكم ، قال : ما جئت إلّا لتؤمّنه ، قال : قد آمنته ، ولكن اذهب وجئني به ، ولا تجئني به إلّا رديفا فإنه أذلّ له. فجاء به ابن عباس مردفا له كأنه قرد!
فقال له أمير المؤمنين : تبايع؟ قال : نعم ، وفي النفس ما فيها! فلما بسط يده ليبايعه قبضها ونترها وقال : لا حاجة لي فيها ، إنها (كفّ مروان) كفّ يهودية ، لو بايعني بيده عشرين مرة نكث باسته! ثم قال : هيه يا ابن الحكم! خفت على رأسك أن يقع في هذه المعمعة؟ كلّا ـ والله ـ حتى يخرج من صلبك فلان وفلان يسومون هذه الامة خسفا ، ويسقونهم كأسا مصبّرة (١) وهذا هو الأولى لمراودة ابن عباس في دار عثمان ، دون الحسنين.
وفي خبر الواقدي : أن مروان تقدّم إلى عليّ عليهالسلام وهو متّكئ على رجل ، فقال له : هل بك جراحة؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، ولا أراني لما بي إلّا ميّتا ، فتبسّم علي عليهالسلام وقال له : لا والله ما أنت لما بك ميّت! وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوما أحمر ، ثم بايعه وانصرف (كذا).
وتقدّم إليه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، فلما رآه قال له : والله أن كنت أنت وأهل بيتك لأهل دعة وكان فيكم غنى ... ولقد ثقل عليّ حيث رأيتكم في القوم ، وأحببت أن تكون الواقعة بغيركم! ثم بايعه وانصرف.
وكأنه عليهالسلام لم يعرف مساحق بن مخرمة فقال له : ومن أنت؟ قال : أنا مساحق بن مخرمة ، معترف بالزلّة مقرّ بالخطيئة تائب من ذنبي.
__________________
(١) الخرائج والجرائح ١ : ١٩٧ ، الحديث ٣٥ ، وبهامشه بعض المصادر الأخرى. والمصبّرة : المطعّمة بالصبر وهو نبات مرّ.