ولما اختار له الله عزوجل دار أنبيائه ، ومأوى أصفيائه ، ظهرت حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، وأخلق ثوبه ، ونحل عظمه ، وأودت رمّته ، وظهر نابغ ونبغ خامل. ونطق كاظم وهدر فنيق الباطل ، يخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم ، (فوجدكم لدعائه مستجيبين ، وللغرّة ملاحظين واستنهضكم فوجدكم خفافا وأحمشكم فوجدكم غضابا فوسمتم) (١) غير إبلكم ، وأوردتموهم غير شربكم ، بدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، فهيهات منكم وأين بكم وأنّى تؤفكون ، وكتاب الله بين أظهركم ، زواجره لائحة ، وأوامره لامحة ، ودلائله واضحة ، وأعلامه بيّنة ، وقد خالفتموه رغبة عنه ، فبئس للظالمين بدلا ، (ثم لم تبرحوا) إلّا ريث أن تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها ، تسرّون حسوا في ارتغاء ، ونصبر منكم على مثل حزّ المدى.
(ثم انتم تزعمون) (٢) أن لا إرث لنا (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(٣) ، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٤).
إيها معشر المسلمين أأبتزّ إرث أبي يا ابن أبي قحافة أبا لله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئا فريّا ، جرأة منكم على قطيعة الرحم ونكث العهد ، فعلى عمد تركتم كتاب الله بين أظهركم ونبذتموه إذ يقول : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)(٥) ، وفيما اقتص من خبر يحيى وزكريا إذ يقول : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي
__________________
(١) ما بين القوسين من كشف الغمة ١ : ١١٣.
(٢) هذه والجملة السابقة من كشف الغمة ١ : ١١٤.
(٣) المائدة : ٥٠.
(٤) آل عمران : ٨٥.
(٥) النمل : ١٦.