وبعد العلم باجتماعها فإن كان (١) العنوان المتعلّق للتكليف من المقدور بلا واسطة والصادر بنفسه (٢) امتنعت الشبهة المصداقيّة فيه حال صدوره الإراديّ بعد تبيّن مفهومه ، إذ يستحيل أن يشكّ من أراد شيئا عند إرادته له في هويّة ما أراده (٣) ، وإنّما يعقل الشكّ في
__________________
(١) الشبهة المصداقية لهذا القسم من التكاليف تتصوّر بأحد نحوين : إمّا أن تكون ناشئة عن الشكّ في تحقق إحدى شرائطه ـ وقد تقدم ـ ، أو ناشئة ـ بعد العلم باجتماع الشرائط ـ عن الشكّ في مصداقيّة ما صدر من المكلف للمكلّف به ، وهذا ما تصدّى قدسسره لبيانه هنا.
(٢) هذا في قبال ما سيجيء من فرض كون المتعلق من المسبّبات التوليدية.
(٣) فإن الفعل الاختياري ـ وهو الصادر عن إرادة ـ لا يعقل صدوره إلاّ بعد تصوّره وتبيّن مفهومه لاستحالة تعلق الإرادة بشيء لا يعرفه المريد ، فإذا عرفه وتعلقت به إرادته وحرّك عضلاته نحوه فكيف يشكّ في هذا الحال في وجوده وصدق عنوان المراد عليه؟ وكيف يتحقّق منه تحريك العضلات نحوه عن إرادة واختيار مع غيبوبته عن ذهنه؟ هذا.
ومن الغريب استغراب السيّد الأستاذ قدسسره من مقالة أستاذه المحقّق الجدّ قدسسره قائلا : إن الفعل الاختياري إنما يلزم فيه حضوره للفاعل من الجهة التي تعلّق بها غرضه ، وأما صدق عنوان آخر من العناوين الخارجية فالشكّ فيه بمكان من الضرورة كما إذا شكّ المتكلم في صدق عنوان الذكر على ما يصدر منه من الكلام حال صدوره ( رسالة اللباس المشكوك : ٧١ ).
فإنّه إذا فرض تعلق الغرض بالتكلم ـ مثلا ـ وقد تعلّقت به إرادته وأوجده فلا يشك في صدق عنوانه عليه ، وأما عنوان الذكر فالشك في صدقه لا بدّ أن يكون ناشئا عن عدم تعلّق إرادته به إمّا لعدم تصوّر مفهومه أو لغفلته عنه لعدم تعلّق غرضه به ، أمّا مع فرض التفاته إليه ومعرفته لمفهومه وتعلق إرادته به أيضا فلا يعقل الشك المذكور وعدم حضوره في ذهنه حال صدوره الإرادي منه.