الواجبة والمندوبة من ذلك الحديث ، ولا منافاة بين الأمرين.
قلت : هذا وإن كان محتملا من هذه الجهة ، إلّا أنّه لا يعارض ما قد دلّ على تفضيل غير الصلاة المتنازع فيها من الأخبار الصحيحة أو المستفيضة ، كخبر : « أفضل الأعمال أحمزها » (١) ، و « أفضل الأعمال بعد الإيمان جهاد في سبيل الله » (٢) إلى آخره.
وإنّما لم يعارضه هذا الحديث ، لأنّه لا يدلّ على ما يوجب المعارضة ، إلّا إذا قرئ بالإضافة ، وإرادتها من الشارع غير معلومة. وإنّما المعلوم منه القدر الحاصل من الوصف ، لأنّه قدر مشترك بين المعنيين المشتركين المحتملين ، وما زاد عليه مشكوك فيه ، فكيف يعارض ما دلّ عليه غيره صريحا؟!
فإن قلت : على الوصف لا يبقى للصلاة مزيّة على غيرها من العبادات ، بل مطلق الخيرات الماليّة والبدنيّة ، فإنّها بأسرها مشتركة في الخيريّة ، وإذا لم يبق فيها إلّا إثبات أصل الخيرية ، وهو معنى يشاركها فيه إطعام لقمة وكلمة طيّبة وما دون ذلك ، ضعف ذكره في مقام المدح العظيم والاختصاص بمزيد التكريم ، بل هذا يضعّف هذا الإعراب ويرجّح أنّ إعراب الإضافة أليق بمقام الكلام النبوي الآخذ بحجزة (٣) البلاغة.
قلت : يمكن استفادة المدح الموجب لزيادة الخيرية للصلاة على تقدير الوصف باعتبار آخر ، وهو تنكير الخير ، فإنّه قد يراد كذلك ، لزيادة التفخيم والتعظيم ، أي خير عظيم موضوع لمن أراده ، ومن قوله صلىاللهعليهوآله : « فمن شاء استقلّ ومن شاء استكثر » ، فإنّه يشعر أيضا بتعظيم شأن هذا الخير ، وإنّه أهل لأن يستكثر منه وتصرف فيه الأوقات.
وبذلك تظهر مزيّة الصلاة على غيرها ، ويقع الشكّ في الإضافة ، فلا يستقيم
__________________
(١) « نضد القواعد الفقهية » ١٩١ ، « النهاية في غريب الحديث والأثر » ١ : ٤٤٠ نحوه ، « غريب الحديث » ٤ : ٢٣٣ « حمز ».
(٢) « صحيح البخاري » ٢ : ٥٥٣ ـ ١٤٤٧ باب فضل الحجّ المبرور.
(٣) أصل الحجزة : موضع شدّ الإزار. والنّبي ( ص ) آخذ بحجزة الله ، أي بسبب منه. انظر : « لسان العرب » ٣ : ٦٢ « حجز ».