هي أقصى غاية الخضوع والتذلّل ـ ومن ثمّ لم يستعمل إلّا في الخضوع لله تعالى ـ والتفتّ من مقام البعد عن مقاربة جنابه إلى مقام الفوز بلذيذ خطابه.
( والاستزادة من توفيقه وعبادته واستدامة ما أنعم الله على العباد عند : وإيّاكَ نَسْتَعِين ) حيث قدّمت الوسيلة على طلب الحاجة ، ليكون ادعى للإجابة ، واستعنت به في جميع أمورك من غير التفات إلى فرد منها ولا إلى جميعها ، لقصور الوهم عن الإحاطة بتفاصيل ما يحتاج إليه تعالى فيه ، ويفتقر إلى عونه عليه.
( و ) استحضار ( الاسترشاد به والاعتصام بحبله والاستزادة في المعرفة به سبحانه والإقرار بعظمته وكبريائه عند : اهدنا الصّراط المستقيم ).
وأشار ـ بكون طلب الهداية متناولا للاسترشاد والاعتصام والاستزادة من المعرفة والإقرار بالعظمة ـ إلى مطلب شريف ، وهو أنّ هداية الله تعالى تتنوّع أنواعا كثيرة يجمعها أربعة أجناس مترتّبة :
أوّلها : إفاضة القوى التي بها يتمكّن المرء من الاهتداء إلى مصالحه كالقوة العقلية والحواسّ الباطنة والمشاعر الظاهرة.
وثانيها : نصب الدلائل الفارقة بين الحقّ والباطل والصلاح والفساد ، وإليه أشار تعالى بقوله ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) (١) ، وقال تعالى ( فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) (٢).
وثالثها : الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإليه أشار تعالى بقوله ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) (٣) ، وقوله تعالى ( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (٤).
ورابعها : أن يكشف عن قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء بالوحي الإلهي كما هي ، أو بالإلهام والمنامات الصادقة ، وهذا القسم يختصّ بنيله الأنبياء والأولياء ، وإليه
__________________
(١) « البلد » ٩٠ : ١٠.
(٢) « فصّلت » ٤١ : ١٧.
(٣) « الأنبياء » ٢١ : ٧٣.
(٤) « الإسراء » ١٧ : ٩.