المعنى وأوفق لامتثال الأمر الوارد بقوله ( فَاسْتَعِذْ ) (١) لنكتة دقيقة هي أنّ السين والتاء شأنهما الدلالة على الطلب ، فوردتا في الأمر إيذانا بطلب التعوّذ ، فمعنى استعذ أي اطلب منه أن يعيذك ، فامتثال الأمر أن يقول : أعوذ بالله ، أي ألتجئ إليه ، لأنّ قائله متعوّذ قد عاذ والتجأ ، والقائل : أستعيذ ، ليس بعائذ ، إنّما هو طالب العياذ به كما يقول : أستخير الله ، أي أطلب خيرته ، وأستقيله أي أطلب إقالته ، وأستغفره أي أطلب مغفرته ، لكنها قد دخلت هنا في فعل الأمر وفي امتثاله بخلاف الاستعاذة.
وبذلك يظهر الفرق بين الامتثال بقوله : أستغفر الله ، دون أستعيذ بالله ، لأنّ المغفرة إنّما تكون من الله فيحسن طلبها ، والالتجاء يكون من العبد فلا يحسن طلبه ، فتدبّر ذلك ، فإنّه لطيف.
ويظهر منه أنّ كلام الجوهري ليس بذلك الحسن ، وقد ردّه عليه جماعة (٢) من المحقّقين ( وروى ) حنان ـ بالتخفيف ـ بن سدير عن أبي (٣) عبد الله عليهالسلام ( الجهريّة ) وأنّه سمعه عليهالسلام حين صلّى خلفه يتعوّذ بإجهار ثمّ جهر ببسم الله الرحمن الرحيم. ويحمل على الجواز.
( وإحضار القلب ) حال القراءة ( ليعلم ما يقول ) ويتدبّره ، فإنّ المقصود بالذات من تلاوة القرآن تدبّره ، قال الله سبحانه ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) (٤) ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (٥).
__________________
(١) « النحل » ١٦ : ٩٨.
(٢) لم نعثر على من تعرّض للردّ على الجوهري في كتب اللغة والتفسير ، المتوفّرة لدينا ، ولعلّ مراد الشارح من المحققين أصحاب الكتب المؤلّفة في الردّ على الجوهري ونقد آرائه ، ومنها :
١ ـ « قيد الأوابد » لأحمد بن محمد الميداني النيسابوري. ٢ ـ « الإصلاح لما وقع من الخلل في الصحاح » لجمال الدين أبي الحسن عليّ بن يوسف القفطي. ٣ ـ « نقود على الصحاح ». ٤ ـ « نفوذ السهم فيما وقع للجوهري من الوهم ».
٥ ـ « غوامض الصحاح ». ٦ ـ « نور الصباح في أغلاط الصحاح » وغيرها من الكتب ، التي هي غير متوفّرة لدينا.
(٣) « تهذيب الأحكام » ٢ : ٢٨٩ ـ ١١٥٨.
(٤) « محمّد » ٤٧ : ٢٤.
(٥) « النساء » ٤ : ٨٢.