تطييب جسده وتطهيره وتنظيفه ، فيكون متعلّق الوجوب جميع أجزاء البدن على وجه يكون كلّ جزء جزء معروضا للوجوب النفسي لا الغيري التبعي بمعنى أنّ الغرض تعلّق بإيجاد وصف الطهارة في جميع الأجزاء ، لا المجموع من حيث المجموع ، فكلّ جزء جزء يجب غسله وتطهيره وإن توقّف صحّته شرعا على حصوله في ضمن المجموع ، كسائر الشرائط التعبّديّة التي هي من مقدّمات وجود الواجب لا وجوبه ، بل ينبغي الجزم بذلك ولو بالنظر إلى نفس ما دلّ على وجوب غسل الميّت ، إذ من المستبعد جدّا أن يكون للعنوان الانتزاعي مدخليّة في متعلّق الحكم ، بل المقصود بالحكم ليس إلّا الأجزاء بلحاظ كونها معنونة بهذا العنوان.
فعلى هذا نقول : مقتضى إيجاب الشارع تغسيل الميّت وتنظيفه ، المنحلّ إلى الأمر بغسل جميع أجزائه : عدم ارتفاع التكليف عمّا تيسّر بما تعذّر ، ولا مانع من تنجيز الخطاب بالنسبة إلى البعض الميسور إلّا احتمال اشتراط صحّة غسله بحصوله في ضمن المجموع ، كما كان كذلك حال وجود الكلّ ، والأصل ينفيه ، إذ ليس لنا دليل يقتضي الاشتراط مطلقا بحيث يعمّ الفرض.
فملخّص الكلام أنّه يستفاد من مجموع الأدلّة أنّ الشارع أوجب غسل جميع الأجزاء مطلقا ، واعتبر في صحّته أمورا تعبّديّة يجب التقييد بها بالقدر الثابت ، وحيث لم يثبت الاشتراط في مثل الفرض كي يسقط التكليف بالتعذّر لا يرفع اليد عمّا يقتضيه إطلاق محبوبيّة الفعل ومطلوبيّته.
ويؤيّده اشتهار القول بذلك بين أصحابنا رضوان الله عليهم ، ونقل إجماعهم عليه ، بل لا يبعد كون إجماعهم المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة بنفسه دليلا كافيا في مثل المقام ، والله العالم.