ويدفعه ـ بعد الغضّ عن أصل البناء من كونه رجما بالغيب ـ عدم ابتناء أمر الاستحباب على هذا النحو من التدقيقات ، ودورانه مدار مساعدة العرف ، وهي في المقام متحقّقة ، كما يتّضح لك ذلك بمراجعة ما أسلفناه في وضوء العاجز.
كما أنّه يظهر بما ذكرناه في ذلك المبحث في تنقيح مجرى قاعدة الميسور و «ما لا يدرك» : أنّ المقام من أظهر مجاريها ، خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى من تعرّض له ، فلا إشكال فيه في الجملة ، وإنّما الإشكال في مقامين :
أحدهما : أنّه إذا لم يتمكّن إلّا من غسل واحد ، فهل هو مخيّر بين الأغسال فيأتي بأيّها شاء ، أو يتعيّن عليه الأوّل ، أي بماء السدر ، أو الأخير؟ وكذا لو تمكّن من غسلين ، فهل هو مخيّر في ترك أحدها مطلقا ، أو يختصّ الأخير بالترك ، أو يتعيّن عليه فعل الأخير وأحد الأوّلين مخيّرا ، أو خصوص الأوّل فيختصّ الوسط بالسقوط؟ وجوه : من أنّها واجبات متعدّدة وقد تعذّر بعضها لا على التعيّن ، فله الخيار في تعيّن المتعذّر ، وكون بعضها مترتّبا على بعض في الوجود لا أثر له بعد كون المجموع في عرض واحد من حيث المطلوبيّة. ومن أنّ الأخير أهمّ في نظر الشارع على ما قيل (١) ، فيتعيّن فعله ، إذا لا يحكم العقل بالتخيير في مثل الفرض. ومن أنّ مقتضى القواعد : سقوط ما تعلّق به التعذّر أوّلا وبالذات ، وهو ما عدا الأوّل ولو بملاحظة كونه أسبق في الوجود من حيث الرتبة.
لكن يتوجّه على هذا الوجه الأخير ـ الذي به يتّجه أوسط الأقوال ـ أنّه لو تمّ ذلك ، لاقتضى سقوط الأخير مطلقا ولو على تقدير ثبوت أهمّيّته ، والالتزام به في غاية الإشكال ، بل لا ينبغي الارتياب في فساده.
__________________
(١) انظر : جواهر الكلام ٤ : ١٣٦ ، والذكرى ١ : ٣٤٥.