بينها بالتقييد ، فالمتّجه إمّا القول بالوجوب أو طرح تلك الأخبار ، وحملها على التقيّة ، وقد قوّى الأخير في ذيل كلامه.
واعترض على نفسه في مطاوي كلماته بقوله : فإن قيل : الحمل على التقيّة إنّما يكون عند وجود المعارض لها. قلنا : قد تكاثرت الأخبار بعرض الخبر على مذهب العامّة والأخذ بخلافه وإن كان لا معارض له ثمّة حتى رووا أنّه إذا احتاج إلى معرفة حكم من الأحكام وليس في البلد من يفتيه من علماء الإماميّة ، يسأل فقهاء العامّة ويأخذ بخلافهم (١) ، وقد ورد أيضا : «إذا رأيت الناس مقبلين على شيء فدعه» (٢) انتهى.
وفيه أوّلا : ما أشرنا إليه مرارا من أنّ مقتضى قاعدة الجمع في مثل هذه الموارد هو حمل مثل هذه الأوامر على الاستحباب ، فإنّه أهون من تنزيل مثل هذه الأخبار البيانيّة الكثيرة على الإهمال والإجمال كي لا ينافيها التقييد خصوصا مع ما في أغلب الأخبار من الشواهد على عدم كونها مسوقة لبيان خصوص الأجزاء الواجبة ، ولذا لم يجمع أحد من الأصحاب بين أخبار الباب بتقييد بعضها بما اشتمل عليه غيره ، بل لو بني على مراعاة قاعدة الإطلاق والتقييد في أخبار الباب ، لحدث في الإسلام قول لم يذهب إليه أحد من المسلمين.
وثانيا : أنّ ما التزم به من حمل الأخبار السالمة من المعارض ـ بعد تسليم سندها ـ على التقيّة لمجرّد الموافقة من حيث هي يوشك أن يكون مخالفا
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٧٥ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥ / ٨٢٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٣.
(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٤٤٧.