قاله : إنا إذا كسرناهم فزنا بالمرام وكفينا عسكر المصريين المؤنة ، وإذا كانت الكرة علينا نكون قد بذلنا المجهود وأقمنا عذرا لدى السلطان برقوق.
قال ابن عربشاه : ولا زال دمرداش يحسن لهم هذا الرأي الفاسد حتى أجمعوا عليه واتفقوا على الخروج إلى تيمور لنك لأنه كان صاحب البلد وكان في الباطن موافقا لتيمور.
ثم إنهم حصنوا المدينة وأوصدوا أبوابها ووكلوا بكل حارة ومحلة أصحابها وفتحوا البابين المقابلين للجهة التي نزل فيها تيمور لنك وهما باب النصر وباب القناة.
ويوم وصوله وهو يوم الخميس تاسع ربيع الأول برز من عسكر تيمور لنك ألفا رجل فبرز إليهم من العساكر الشامية ثلثمائة فهزمهم هؤلاء.
ويوم الجمعة برز من عسكره نحو من خمسة آلاف فتقدم إليهم طائفة أخرى واشتبك بينهم القتال واشتد وأبلت العساكر الشامية بلاء حسنا ، وبقي الحرب إلى المساء ، فتراجع الفريقان وقد قتل من عسكر تيمور لنك ولم يقتل من العسكر الشامية سوى رجلين.
ويوم السب حادي عشر ربيع الأول برزت العساكر الشامية وتقدمت عساكر ذاك وكان قد عبأها تحت جنح الليل ، فقابل مقدمتهم وشغلهم بأوائلهم وأحاط الباقون بهم فأتوهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمايلهم ، فمشى عليهم مشي الموسى على الشعر وسعى سعي الدّبا على الزرع الأخضر ، وكان هذا الجولان على قرية حيلان ، ثم فرت ميمنة العساكر الشامية وكان رأسها دمرداش فلم يلبث الباقون ساعة من نهار حتى ولّوا الأدبار وعسكر تيمور لنك وراء ظهورهم ، فقصدوا المدينة من الأبواب المفتوحة وازدحموا عندها والسيوف تشقهم والرماح تدقهم ، فاستدت الأبواب بالقتلى ولم يتمكن الكثيرون من الدخول ، فتشتتوا في البلاد ، وكسر المماليك باب أنطاكية وخرجوا منه قاصدين بلاد الشام ، وصعد النواب إلى القلعة وتحصنوا فيها.
قال ابن إياس : لما بلغ تيمور لنك أن رسوله قتل زحف إلى قرية من قرى حلب يقال لها حيلان واحتاط بمدينة حلب ونهب ما حولها من الضياع ، ولما كان يوم السبت حادي عشر ربيع الأول من سنة ثلاث وثمانمائة خرج عساكر حلب وسائر النوّاب بعساكرهم وأوقعوا مع تمرلنك ، فكان بينهم ساعة تشيب منها النواصي وقد دهمتهم عساكر تمرلنك كأمواج البحار المتلاطمة ومالت عليهم كتائب الجنود المتزاحمة ، فلم تثبت معهم عساكر حلب وولوا على أعقابهم مدبرين وأقبلوا نحو المدينة منهزمين ، وقد داست حوافر الخيل أجساد العامة وحل بهم من البؤس كل داهية طامة. وكان قد احتمى بالمزارات