فلا شك أنه يزداد حسرته وتلهّفه ، أما المسلم المعتقد أن الحياة والموت بتقدير الله وقضائه ، لم يحصل في قلبه شيء من هذا النوع من الحسرة ألبتة.
الثاني : أن المنافقين إذا ألقوا هذه الشبهة إلى إخوانهم ، تثبطوا ، وتخلّفوا عن الجهاد ، فإذا اشتغل المسلمون بالجهاد ، ووصلوا بسببه إلى الغنائم العظيمة ، والاستيلاء على الأعداء ، والفوز بالأماني ، بقي المتخلف عن ذلك في الحسد ، والحسرة.
الثالث : أن هذه الحسرة ، إنما تحصل يوم القيامة في قلوب المنافقين ، إذا رأوا تخصيص الله للمجاهدين بمزيد الكرامات وعلوّ الدرجات ، وتخصيص هؤلاء المنافقين بمزيد الخزي واللّعن والعقاب.
الرابع : أن المنافقين إذا أوردوا هذه الشبهة على ضعفة المسلمين ، ووجدوا منهم قبولا لها ، فرحوا بذلك ؛ لرواج كيدهم ، ومكرهم على الضّعفة ، فالله ـ تعالى ـ يقول : إنه يصير ذلك حسرة في قلوبهم إذا علموا أنهم كانوا على الباطل.
الخامس : أن اجتهادهم في تكثير الشبهات ، وإلقاء الضلالات يعمي قلوبهم ، فيقعون عند ذلك في الحسرة ، والخيبة ، وضيق الصدر ، وهو المراد بقوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [الأنعام : ٢٥].
السادس : أنهم إذا ألقوا هذه الشبهة على الأقوياء ، لم يلتفتوا إليهم ، فيضيع سعيهم ويبطل كيدهم ، فتحصل الحسرة في قلوبهم.
قوله : (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) فيه وجهان :
الأول : أن المقصود منه بيان الجواب عن شبهة المنافقين ، وتقريره : أن المحيي والمميت هو الله تعالى ، ولا تأثير لشيء آخر في الحياة والموت ، وأن علم الله لا يتغير ، وأن حكمه لا ينقلب ، وأن قضاءه لا يتبدّل ، فكيف ينفع الجلوس في البيت من الموت؟
فإن قيل : إن كان القول بأنّ قضاء الله لا يتبدل يمنع من كون الجدّ والاجتهاد مفيدا في الحذر عن القتل والموت ، فكذا القول بأن قضاء الله لا يتبدّل ، وجب أن يمنع من كون العمل مفيدا في الاحتراز عن عقاب الآخرة ، وهذا يمنع من لزوم التكليف. والمقصود من الآيات تقرير الأمر بالجهاد والتكليف ، وإذا كان كذلك ، كان هذا الكلام يفضي ثبوته إلى نفيه.
فالجواب : أن حسن التكليف ـ عندنا ـ غير معلّل بعلّة ورعاية [مصلحة](١) ، بل الله يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد.
الثاني : أن [المقصود](٢) بقوله : (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) أنه يحيي قلوب أوليائه وأهل
__________________
(١) في أ : المصالح.
(٢) في أ : المراد.