والثانية : سورة الحج وهي الرابعة أيضا من النصف الثاني من القرآن وعلّل الأمر بالتقوى فيها بما يدل على معرفة المعاد.
فجعل صدر هاتين السورتين دليلا على معرفة المبدأ والمعاد ، وقدّم السورة الدالة على المبدأ على السورة الدالة على المعاد ، وهذا سر عظيم (١).
(مِنْ نَفْسٍ) متعلق ب «خلقكم» فهو في محل نصب ، و «من» لابتداء الغاية ، وكذلك (مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما) والجمهور على واحدة بتاء التأنيث (٢) ، وأجمع المسلمون على أنّ المراد بالنفس الواحدة [هاهنا](٣) آدم عليهالسلام ، إلا أنه أنث الوصف على لفظ النفس لقوله تعالى : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) [الكهف : ٧٤].
وابن أبي عبلة (٤) واحد من غير [تاء](٥) تأنيث وله وجهان :
أحدهما : مراعاة المعنى (٦) ؛ لأنه المراد بالنفس آدم عليهالسلام.
والثاني : أن النفس تذكر وتؤنث. وعليه قوله : [الوافر]
١٧٢٦ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود |
|
لقد جار الزّمان على عيالي (٧) |
قوله : (وَخَلَقَ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه عطف على معنى «واحدة» لما فيه من معنى الفعل ، كأنه قيل : «من نفس وحدت» أي : انفردت ، يقال : «رجل وحد يحد وحدا وحدة» انفرد.
الثاني : أنه عطف على محذوف.
قال الزّمخشريّ (٨) : «كأنه قيل : من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها وخلق منها ، وإنما حذف لدلالة المعنى عليه ، والمعنى شعّبكم من نفس واحدة هذه صفتها» بصفة هي بيان وتفصيل لكيفية خلقكم منها ، وإنّما حمل الزمخشري رحمهالله تعالى والقائل الذي قبله على ذلك مراعاة الترتيب الوجودي ؛ لأن خلق حواء ـ وهي المعبر عنها بالزوج ـ قبل خلقنا ولا حاجة إلى ذلك ، لأن الواو لا تقتضي ترتيبا على الصحيح.
الثالث : أنه عطف على «خلقكم» ، فهو داخل في حيز الصلة والواو ولا يبالى بها ،
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٢٩.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٩٥ ، تفسير الرازي ٩ / ١٣١.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣ ، والبحر المحيط ٣ / ١٦٢ ، والدر المصون ٢ / ٢٩٥.
(٥) سقط في ب.
(٦) في أ : مراعاة اللفظ بالمعنى.
(٧) تقدم برقم ٤٦٨.
(٨) ينظر : الكشاف ١ / ٤٦١ ، الدر المصون ٢ / ٢٩٥.