إذ لا تقتضي ترتيبا ؛ إلا أن الزّمخشريّ رحمهالله تعالى خصّ هذا الوجه بكون الخطاب [للمؤمنين](١) في (يا أَيُّهَا النَّاسُ) لمعاصري الرسول عليهالسلام فإنه قال : والثاني أنه يعطف على «خلقكم» ويكون الخطاب للذين بعث إليهم الرسول ، والمعنى : خلقكم من نفس آدم ؛ لأنه من جملة الجنس المفرّع [منه](٢) وخلق منها أمّكم حواء.
فظاهر هذا خصوصيّة الوجه الثاني أن يكون الخطاب للمعاصرين ، وفيه نظر ، وقدّر بعضهم مضافا في «منها» أي : «من جنسها زوجها» ، وهو قول أبي مسلم (٣) ، قال : وهو كقوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [النحل : ٧٢] وقال (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ) [آل عمران : ١٦٤] وقوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ) [التوبة: ٢٨].
قال : وحواء لم تخلق من آدم ، وإنما خلقت من طينة فضلت من طينة آدم (٤).
قال القاضي (٥) : والأول أقوى لقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ).
قال ابن الخطيب : «يمكن أن يجاب بأن كلمة «من» لابتداء الغاية ، فلمّا كان ابتداء الغاية وهو ابتداء التخليق والايجاد وقع بآدم صحّ أن يقال : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) وأيضا فالقادر على خلق آدم من التراب ، [كان قادرا أيضا على خلق حواء من التراب](٦) ، وإذا كان كذلك فأيّ فائدة في خلقها من ضلع من أضلاعه».
وقرىء «وخالق وباثّ» (٧) بلفظ اسم الفاعل ، وخرّجه الزمخشريّ على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي : وهو خالق وباثّ.
ويقال : بثّ وأبثّ ومعناه «فرّق» ثلاثيا ورباعيا (٨).
قال ابن المظفر (٩) : «البثّ تفريقك الأشياء».
يقال : بثّ الخيل في الغارة ، وبثّ الصيّاد كلابه ، وخلق الله الخلق : بثّهم في الأرض ، وبثثت البسطة إذا نشرتها. قال تعالى : (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) [الغاشية : ١٦].
فإن قيل : ما المناسبة بين الأمر بالتقوى وما ذكر معه من الوصف؟ فالجواب : لما ذكر أنّه خلقنا من نفس واحدة ، وذلك علة لوجوب الانقياد علينا لتكاليفه ؛ لأنا عبيده وهو
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٣١.
(٤) المصدر السابق.
(٥) زيادة من الرازي لتمام المعنى.
(٦) ينظر : الكشاف ١ / ٤٦٢ ، والدر المصون ٢ / ٢٩٦.
(٧) ينظر : تفسير الكشاف ١ / ٤٦٢.
(٨) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٩٦ ، عمدة الحفاظ ١ / ١٧٩.
(٩) في أ : ابن الخطيب ينظر تفسير الرازي ٩ / ١٣٢ ، معزوا لابن المظفر.