وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل.
الثاني : أن قوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) لا يصلح مخصصا لذلك العموم ؛ لأن تخصيص بعض الأعداد يدخل على رفع الحرج ، والحجر مطلقا ، فإن الإنسان إذا قال لولده : افعل ما شئت ، اذهب إلى السوق وإلى المدرسة ، وإلى البستان ، لم يكن تنصيصا للإذن بتلك الأشياء المذكورة فقط ، بل يكون ذلك إذنا في المذكور ، وغيره ، هكذا هنا.
الثالث : أن الواو للجمع المطلق ، فقوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) لا يدخل هذا المجموع ، وهو تسعة ، بل يفيد ثمانية عشر ؛ لأن قوله مثنى ليس عبارة عن اثنين فقط ، بل عن اثنين اثنين ، وكذا البقية.
وأما الخبر فمن وجهين :
الأول : أنه ثبت بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام مات عن تسع ، وأمرنا الله باتباعه بقوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام : ١٥٣] وأقل [مراتب] الأمر الإباحة.
الثاني : أن التزويج بأكثر من أربع طريقه عليه الصلاة والسلام ، فيكون سنة له.
وقال عليه الصلاة والسلام : «النّكاح سنّتي وسنّة الأنبياء من قبلي ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» وهذا يقتضي الذم لمن ترك التزويج بأكثر من أربع ، فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز.
أجاب القدماء بما روي أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال له عليه الصلاة والسلام : «أمسك أربعا وفارق باقيهنّ» (١) وهذا ضعيف من وجهين :
الأول : أن هذا نسخ للقرآن بخبر الواحد ، وذلك لا يجوز.
الثاني : أن هذه واقعة حال ، فلعله عليه الصلاة والسلام إنّما أمره بإرسال أربع ومفارقة البواقي ؛ لأن الجمع بين الأربع وبين البواقي غير جائز ، إمّا لنسب أو رضاع ، أو اختلاف دين محرم ، وإذا قام الاحتمال فلا يمكن نسخ القرآن إلا بمثله.
واستدلوا أيضا بإجماع فقهاء الأمصار على أنه لا يجوز الزيادة على الأربع ، وهذا أيضا فيه نظر من وجهين :
أحدهما : أن الإجماع لا ينسخ به فكيف يقال : الإجماع نسخ هذه الآية؟
الثاني : أن هؤلاء الذين قالوا بجواز الزيادة على الأربع من جملة فقهاء الأمصار ، والإجماع لا ينعقد مع مخالفة الواحد والاثنين.
__________________
(١) أخرجه الشافعي في «مسنده» (٢ / ١٦) وأحمد (٢ / ٤٤) والترمذي (٣ / ٤٣٥) رقم (١١٢٨) وابن ماجه (١ / ٦٢٨) رقم (١٩٥٣) وابن حبان (٣ / ٢٦٩) والحاكم (٢ / ١٩٢) والبيهقي (٧ / ١٨) عن ابن عمر.
وقال الترمذي : والعمل على حديث غيلان بن سلمة عند أصحابنا منهم الشافعي وأحمد وإسحق.