وفائدة زيادته تبيّن معنى الأمر في صورة الخبر أي : اكتفوا بالله ، «فالباء» تدل على المراد من ذلك ، وفي هذا ما ردّ به على الزّجّاج ، وزيادة جعل الحرف زائدا وغير زائد.
والثاني : أنّه مضمر والتّقدير : كفى الاكتفاء و «بالله» على هذا في موضع نصب ؛ لأنه مفعول به في المعنى ، وهذا رأي ابن السّراج ، وردّ هذا بأن إعمال المصدر المحذوف لا يجوز عند البصريين إلا ضرورة كقوله : [البسيط]
١٧٥٨ ـ هل تذكرون إلى الدّيرين هجرتكم |
|
ومسحكم صلبكم رحمان قربانا (١) |
أي قولكم : يا رحمان قربانا ، وقال أبو حيان : وقيل : الفاعل مضمر ، وهو ضمير الاكتفاء أي : كفى هو أي : الاكتفاء ، و «الباء» ليست زائدة ، فيكون في موضع نصب ويتعلق آنذاك بالفاعل ، وهذا الوجه لا يسوغ على مذهب البصريين ، لأنه لا يجوز عندهم إعمال المصدر مضمرا ، وإن عني بالإضمار الحذف امتنع عندهم أيضا لوجهين : حذف الفاعل ، وإعمال المصدر محذوفا وإبقاء معموله ، وفيه نظر ؛ إذ لقائل أن يقول : إذا قلنا بأن فاعل «كفى» مضمر لا نعلق «بالله» بالفاعل حتّى يلزم ما ذكر بل نعلقه بنفس الفعل كما تقدّم.
وقال ابن عيسى : إنّما دخلت الباء في (كَفى بِاللهِ) ؛ لأنّه كان يتصل اتّصال الفاعل [وبدخول الباء اتصل](٢) اتصال المضاف ، واتّصال الفاعل ، لأنّ الكفاية منه ليست كالكفاية من غيره فضوعف لفظها لمضاعفة معناها ، ويحتاج إلى فكر.
قوله : (حَسِيباً) فيه وجهان :
أصحهما : أنه تمييز يدلّ على ذلك صلاحيّة دخول «من» عليه ، وهي علامة التميز.
والثّاني : أنه حال.
و «كفى» هاهنا متعدّية لواحد ، وهو محذوف تقديره : «وكفاكم الله».
وقال أبو البقاء (٣) : «وكفى» يتعدّى إلى مفعولين حذفا هنا تقديره : كفاك الله شرّهم بدليل قوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧] والظاهر أن معناها غير معنى هذه.
قال أبو حيّان بعد أن ذكر أنها متعدية لواحد : وتأتي بغير هذا المعنى متعدية إلى اثنين كقوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧] وهو محل نظر.
قال ابن الأنباري والأزهري (٤) : يحتمل أن يكون الحسيب بمعنى المحاسب ، وأن يكون بمعنى الكافي ، فمن الأول قولهم للرّجل تهديدا : حسبه الله ، [ومعناه : يحاسبه] الله على ما يفعل من الظّلم ، ومن الثّاني قولهم : حسبك الله ، أي : كافيك الله وهذا وعيد سواء فسّرنا الحسيب بالمحاسب ، أو بالكافي.
__________________
(١) تقدم برقم ٣٥.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ١٦٨.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٥٧.