قوله : (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ)(١) الواو للحال ، والجملة بعدها : في محل نصب ، وأتى ب «قد» ليقرب الماضي من الحال ، وكذلك «أخذن» وقد مقدرة معه لتقدم ذكرها ، وأصل أفضى ذهب إلى فضاه أي ناحية سعته ، يقال : فضى يفضو فضوا ، وأفضى : عن ياء أصلها واو.
وقال اللّيث : أفضى فلان إلى فلان أي : وصل إليه ، وأصله أنه صار في فضائه وفرجته.
وقال غيره : أصل الإفضاء الوصول إلى الشيء من غير واسطة.
وللمفسرين (٢) في هذا الإفضاء قولان :
أحدهما : قال ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي أنّه كناية عن الجماع (٣) وهو اختيار الزجاج ، وابن قتيبة ، ومذهب الشافعيّ ؛ لأنّ عنده أنّ الزوج إذا طلق قبل المسيس فله أن يرجع في نصف المهر ، وإن خلا بها.
والثاني : أنّ الإفضاء هو الخلوة وإن لم يجامعها (٤).
وقال الكلبي : الإفضاء أن يكون معها في لحاف واحد ، جامعها أو لم يجامعها ، وهذا اختيار الفراء ، ومذهب أبي حنيفة ؛ لأن الخلوة في الأنكحة الصحيحة تقرر المهر ، واستدلّوا على القول الأوّل بوجوه :
أحدها : ما تقدّم عن الليث : أنه يصير في فرجته وفضائه ، وهذا المعنى إنّما يحصل في الحقيقة عند الجماع.
وثانيها : أنه تعالى ذكر هذا في معرض التعجب فقال (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سببا قويا في حصول الألفة والمحبّة ، وذلك لا يحصل بمجرد الخلوة وإنّما يحصل بالجماع ، فيحمل عليه.
وثالثها : أن الإفضاء إليها لا بد وأن يكون مفسرا بفعل منه ينتهي إليه ؛ لأن كلمة «إلى» لانتهاء الغاية ، ومجرد الخلوة ليس كذلك ؛ لأن عند الخلوة المحضة لم يصل كل واحد منهما إلى الآخر فامتنع تفسير قوله : (أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) بمجرد الخلوة.
وإن قيل : إذا اضطجعها في لحاف واحد ملامسا فقد حصل الإفضاء من بعضهم إلى بعض ؛ فوجب أن يكون ذلك كافيا وأنتم لا تقولون به.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٤ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٣٠ ، والقرطبي ٥ / ١٨.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٦) عن ابن عباس ومجاهد والسدي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٣٨) عن ابن عباس وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
وذكره أيضا عن مجاهد (٢ / ٢٣٨) وعزاه لعبد بن حميد.
(٤) ذكره أبو الليث السمرقندي في «بحر العلوم» (١ / ٣٤٢) عن الكلبي.