فالجواب أنّ القائل بذلك قائلان : قائل يقول : المهر لا يتقرر إلّا بالجماع ، وآخر يقول : يتقرّر بمجرد الخلوة ولا يقول أحد إنّه يتقرر بالملامسة والمضاجعة فبطل هذا القول بالإجماع ، ولم يبق في تفسير الإفضاء إلّا أحد أمرين : إمّا الجماع ، وإمّا الخلوة ، وقد أبطلنا القول بالخلوة بما بيناه فلم يبق إلّا أن المراد بالإفضاء الجماع.
ورابعها : أنّ المهر قبل الخلوة ما كان متقرّرا ، وقد علّق الشّرع تقريره على إفضاء البعض إلى البعض ، وقد اشتبه في المراد بهذا الإفضاء هل هو الخلوة ، أو الجماع ، وإذا وقع الشكّ وجب بقاء ما كان على ما كان والأصل براءة الذمة.
احتج من قال : بأن الخلوة الصحيحة تقرر المهر وتوجب العدة دخل بها أو لم يدخل بها بما روى الدّارقطنيّ عن [ابن](١) ثوبان ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) : «من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصّداق» (٣) وقال عمر : إذا أغلق بابا وأرخى سترا ؛ وجب الصداق وعليها العدة ولها الميراث (٤) ، وعن علي : إذا أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق ، وقضى الخلفاء الراشدون أنّ من أغلق بابا ، وأرخى سترا فقد وجب الصداق وعليها العدة (٥).
قوله (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ) في منكم وجهان :
أظهرهما : أنه متعلق ب «أخذن» ، وأجاز فيه أبو البقاء أن يكون حالا من ميثاقا قدّم عليه كأنه لما رأى أنّه يجوز أن يكون صفة لو تأخر أجاز ذلك وهو ضعيف.
قال الحسن ، وابن سيرين ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وعكرمة ، والفراء : المراد بالميثاق هو قول الولي عند العقد : زوّجتكها على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان (٦).
وقال الشّعبيّ وعكرمة ومجاهد : في كلمة النّكاح المعقود عليها على الصداق (٧)
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ...
(٣) أخرجه الدارقطني (٣ / ٣٧) من طريق ابن لهيعة نا أبو الأسود عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرفوعا.
ومن طريقه ذكره البيهقي تعليقا (٧ / ٢٥٦) وقال : هذا منقطع وبعض رواته غير محتج بهم.
وقال الحافظ ابن حجر في «التلخيص» (٢ / ٣١٧) : رواه أبو داود في المراسيل من طريق ابن ثوبان ورجاله ثقات.
(٤) أخرجه الدارقطني (٣ / ٣٠٩) والبيهقي (٧ / ٢٥٦) عن عمر.
(٥) أخرجه البيهقي (٧ / ٢٢٥) كتاب الصداق باب : من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب الصداق.
وأخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وانظر «التلخيص الحبير» (٣ / ٢١٨).
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٨) عن قتادة والسدي.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٨ ، ١٢٩) عن مجاهد ومحمد بن كعب القرظي. ـ