عنها لا أجد أحدا نكحها إلّا رجمته (١) بالحجارة ، وقال : هذه المتعة النّكاح والطّلاق والعدّة والميراث فذكر هذا الكلام في مجمع من الصّحابة ، ولم ينكروا عليه ، فالحال لا يخلو من أن يكونوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا ، أو كانوا عالمين بإباحتها فسكتوا مداهنة ، أو ما عرفوا حكمها فسكتوا توقّفا.
والأوّل : هو المطلوب.
والثّاني : يوجب تكفير عمر وتكفير الصّحابة ، لأنّ من علم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حكم بإباحة المتعة ثمّ قال : إنّها محرّمة من غير نسخ لها فهو كافر ، ومن صدقه مع علمه بكونه مخطئا كافر ، وهذا يقتضي تكفير الأمّة. وإن لم يكونوا عالمين بالإباحة ولا بالحرمة ، فهذا أيضا باطل ؛ لأنّ كون المتعة مباحة يقتضي كونها كالنّكاح ، واحتياج النّاس إلى معرفة حكمها (٢) عام في حقّ الكلّ ، ومثل هذا يمتنع خفاؤه (٣) بل يجب أن يشتهر العلم بحكمه (٤) كاشتهار علمهم بحلّ النّكاح ، ولما بطل هذان القسمان ثبت أنّ الصّحابة إنّما سكتوا عن الإنكار على عمر لعلمهم بأنّ المتعة صارت منسوخة في الإسلام.
فإن قيل : الرّجم غير جائز (٥) مع أنّ الصّحابة ما أنكروا عليه حين ذكر ذلك ، ولما سكت ابن عباس عنه في مسألة المباهلة (٦) ثم ذكرها بعد موت عمر وقال : من شاء باهلته فقيل له : هلّا قلت هذا في زمن عمر ، فقال : هبته ، وكان امرأ مهابا.
فالجواب لعلّه ذكر ذلك على سبيل الزّجر والتهديد والسّياسة ، ومثل هذا جائز [للإمام](٧) عند المصلحة كقوله (٨) عليهالسلام «من منع الزّكاة فإنّا نأخذها منه وشطر ماله» (٩) وأخذ شطر المال غير جائز لكنّه قال ذلك للزّجر فكذا ههنا ، وأمّا سكوت ابن عباس ، فكان سكوت رجل واحد في خلائق عظيمة ، فلا يشبه سكوت الخلائق العظيمة عند رجل واحد ، ويدلّ على التّحريم حديث الربيع بن سبرة ، وحديث عليّ المذكوران أوّل الفصل قال الرّبيع بن سليمان : سمعت الشّافعيّ يقول : لا أعلم في الإسلام شيئا أحلّ ثم حرم غير المتعة.
واحتجّ من قال بإباحة المتعة بوجوه :
أحدها قراءة (١٠) أبيّ بن كعب وابن عباس «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى
__________________
(١) في أ : رجم.
(٢) في ب : حلها.
(٣) في أ : تناوله.
(٤) في ب : بحله.
(٥) في أ : عن جابر.
(٦) في أ : الباهلة.
(٧) سقط في أ.
(٨) في أ : لقوله.
(٩) أخرجه الطبراني في الكبير (١٩ / ٤١١) بلفظ : من منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا.
(١٠) وقرأ بها سعيد بن جبير.
انظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٢٢٥.