قال شهاب الدين : في هذه المسألة خلاف بين النحويين (١) : منهم من منع ، ومنهم من جوّز ، وهو الصّحيح.
الخامس : أن (مِنَ الَّذِينَ) بيان للموصول في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا) لأنهم يهود ونصارى ، فبيّنهم باليهود ، قاله الزمخشري (٢) ، وفيه نظر من حيث إنّه قد فصل بينهما بثلاثة جمل هي : (وَاللهُ أَعْلَمُ ، وَكَفى بِاللهِ ، وَكَفى بِاللهِ).
وإذا كان الفارسيّ قد منع الاعتراض بجملتين ، فما بالك بثلاث ، قاله أبو حيان (٣) ، وفيه نظر ؛ فإن الجمل هنا متعاطفة ، والعطف يصير الشّيئين شيئا واحدا.
السادس : أنه بيان لأعدائكم ، وما بينهما اعتراض أيضا ، وقد عرف ما فيه.
السابع : أنه متعلّق ب (نَصِيراً) وهذه المادّة تتعدّى ب «من» ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) [الأنبياء : ٧٧](فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) [غافر : ٢٩] على أحد تأويلين :
إمّا على تضمين (٤) النّصر معنى المنع ، أي : منعناه (٥) من القوم ، وكذلك : كفى بالله مانعا بنصره من الذين هادوا.
وإمّا : على جعل «من» بمعنى «على» ، والأوّل مذهب البصريين ، فإذا جعلنا (مِنَ الَّذِينَ) بيانا لما قبله ، فبم يتعلّق والظاهر [أنّه يتعلّق بمحذوف ؛ ويدل على ذلك أنّهم قالوا في سقيا لك](٦) ، إنه متعلّق بمحذوف لأنه بيان له ، وقال أبو البقاء (٧) : [وقيل](٨) وهو حال من أعدائكم ، أي : [والله أعلم بأعدائكم](٩) كائنين من الذين هادوا ، والفصل بينهما مسدّد ، فلم يمنع من الحال ، فقوله هذا يعطي أنه بيان لأعدائكم مع إعرابه له حالا ، فيتعلّق أيضا بمحذوف ، لكن لا على ذلك الحذف المقصود في البيان ، وقد ظهر ممّا تقدم أن (يُحَرِّفُونَ ،) إما لا محلّ له ، أو له محلّ رفع أو نصب على حسب ما تقدّم وقال أبو رجاء والنّخعي : «الكلام» وقرىء (١٠) : «الكلم» بكسر الكاف وسكون اللام ، جمع «كلم» مخففة من كلمة ، ومعانيها متقاربة.
قوله : (عَنْ مَواضِعِهِ) متعلّق ب (يُحَرِّفُونَ) وذكر (١١) الضمير في (مَواضِعِهِ) حملا على (الْكَلِمَ ،) لأنّها جنس.
__________________
(١) في أ : القولين.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٥١٦.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٧٣.
(٤) في ب : تصيير.
(٥) في أ : معناه.
(٦) سقط في أ.
(٧) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٢.
(٨) سقط في ب.
(٩) سقط في أ.
(١٠) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٧٤ ، والدر المصون ٢ / ٣٧٢.
(١١) في أ : وقال.