الذي عافانا الله ، فبلغ ذلك النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال «إنّ من أمّتي لرجالا ، الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرّواسي» (١).
والضّمير في قوله : (كَتَبْنا عَلَيْهِمْ) فيه قولان :
الأوّل : قال ابن عبّاس ومجاهد : إنه عائد إلى المنافقين (٢) لأنه ـ تعالى ـ كتب على بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم ، وكتب على المهاجرين أن يخرجوا من ديارهم ، فقال : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا) على هؤلاء المنافقين القتل والخروج ، ما فعله إلا قليل رياء وسمعة ، وهذا اختيار الأصمّ والقفّال.
[القول](٣) الثاني : المراد : لو كتب الله على النّاس ما ذكر ، لم يفعله إلا قليل منهم ، فيدخل فيه المؤمن والمنافق.
قوله : (أَنِ اقْتُلُوا) «أن» فيها وجهان :
أحدهما : أنها المفسّرة ؛ لأنّها أتت بعد ما هو بمعنى القول لا حروفه ، وهو أظهر.
الثاني : أنها مصدريّة ، وما بعدها من فعل الأمر صلتها ، وفيه إشكال ؛ من حيث إنّه إذا سبك منها وممّا بعدها مصدر ، فأتت للدّلالة [على الأمر ، ألا ترى أنّك إذا قلت : كتبت إليه أن قم فيه من الدّلالة](٤) على طلب القيام بطريق الأمر ، ما لا في قولك : كتبت إليه القيام ، ولكنّهم جوّزوا ذلك واستدلّوا بقولهم : كتبت إليه بأن (٥) قم. ووجه الدلالة : أن حرف الجرّ لا يعلّق.
وقرأ (٦) أبو عمرو : بكسر نون «أن» وضمّ واو «أو» ، قال الزّجّاج : ولست أعرف لفصل (٧) أبي عمرو بين هذين الحرفين خاصيّة (٨) إلّا أن يكون رواية.
وقال غيره : أمّا كسر النّون ؛ فلأن الكسر هو الأصل في التقاء (٩) السّاكنين ، وأما ضمّ الواو فللإتباع ؛ لأن الضّمّة في الواو أحسن (١٠) ؛ لأنّها تشبه واو الضّمير ، نحو : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) [البقرة : ١٦](وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ) [البقرة : ٢٣٧] وكسرهما حمزة وعاصم ؛ لالتقاء السّاكنين ، وضمّهما ابن كثير ، ونافع [وابن عامر](١١) والكسائي ؛ للاتباع فيهما.
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٤) وعزاه لابن المنذر من طريق إسرائيل عن أبي إسحق عن زيد بن الحسن.
وعزاه أيضا لابن أبي حاتم من طريق هشام عن الحسن. والبغوي ١ / ٤٤٩.
(٢) تقدم.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : أن.
(٦) ينظر : السبعة ٢٢٤ ، والحجة ٣ / ١٦٧ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٤ ، وإتحاف ١ / ٥١٥.
(٧) في ب : تعرف لفصل.
(٨) في ب : خاصة.
(٩) في ب : فلالتقاء.
(١٠) في ب : حسن.
(١١) سقط في ب.