الصّحابة في ذلك ، فكان أحقّ الأمّة بهذا الاسم أبو بكر ، وإذا كان كذلك ، كان أفضل الخلق بعد الرّسول [عليه الصلاة والسلام](١) ، وجاهد في إسلام أعيان الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ في أوّل الإسلام ، حين كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في غاية الضّعف ، وعليّ ـ رضي الله عنه ـ إنما جاهد يوم أحد ويوم الأحزاب ، وكان الإسلام قويّا ، والجهاد وقت الضّعف أفضل من الجهاد وقت القوّة ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ (٢) وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [الحديد : ١٠] ، ودلّ تفسير الصّدّيق بما ذكرنا ، على أنّه لا مرتبة بعد النّبوّة [أشرف](٣) في الفضل إلا الصّدّيق ، فإنه أينما (٤) ذكر النّبيّ والصّدّيق لم يجعل بينهما واسطة ، قال ـ تعالى ـ في صفة اسماعيل : (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) [مريم : ٥٤] ، وفي صفة إدريس : (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) [مريم : ٤١] ، وقال هنا : (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) وقال: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) [الزمر : ٣٣] ، فلم يجعل بينهما واسطة ، وقد وفّق الله الأمّة (٥) التي هي خير أمّة ، حتى (٦) جعلوا الإمام بعد الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أبا بكر على سبيل الإجماع ، ولما توفي ـ رضي الله عنه ـ دفن (٧) إلى جنب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، وهذا دليل على أنّ الله ـ تعالى ـ رفع الواسطة بين النّبيّين والصّدّيقين.
وأمّا «الشهداء» قيل : هم (٨) الذين استشهدوا يوم أحد ، وقيل : الّذين استشهدوا في سبيل الله.
وقال عكرمة ـ رضي الله عنه ـ : النّبيّون ههنا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، والصّدّيقون أبو بكر ، والشّهداء : عمر وعثمان وعليّ ، والصّالحون : سائر الصّحابة ـ رضي الله عنهم [أجمعين](٩)(١٠) ـ.
قال ابن الخطيب (١١) : لا يجوز أن تكون الشّهادة مقيّدة بكون الإنسان مقتول الكافر ؛ [لأن مرتبة الشّهادة مرتبة عظيمة في الدّين ، وكون الإنسان مقتول الكافر](١٢) ليس زيادة (١٣) شرف ، لأنّ هذا القتل قد يحصل في الفسّاق ، وفيمن لا منزلة له عند الله.
وأيضا فإن المؤمن قد يقول : اللهم ارزقني الشّهادة فلو كانت الشّهادة عبارة عن قتل الكافر إيّاه ، لكان قد طلب من الله ذلك القتل (١٤) ، وهو غير جائز ؛ لأنّ صدور
__________________
(١) في ب : أفضل الصلوات.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : فإنما.
(٥) في أ : الآية.
(٦) في ب : إن.
(٧) في ب : دفنوه.
(٨) في ب : فهم.
(٩) سقط في أ.
(١٠) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٤٥٠ عن عكرمة.
(١١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٣٩.
(١٢) سقط في ب.
(١٣) في ب : ليس ذلك زيادة.
(١٤) في ب : الفعل.