[ذلك](١) القتل من الكافر كفر ، فكيف يجوز أن يطلب من الله ما هو كفر ، وأيضا قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «المبطون شهيد ، والغريق شهيد» (٢) ، فعلمنا أن الشّهادة ليست عبارة عن القتل ، بل نقول : الشّهيد : «فعيل» بمعنى «الفاعل» ، وهو الّذي يشهد بصحّة دين الله تارة بالحجّة والبيان ، وأخرى بالسّيف والسّنان ، فالشّهداء هم القائمون بالقسط ، وهم الّذين ذكرهم الله ـ تعالى ـ في قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران : ١٨] ويقال للمقتول (٣) في سبيل الله : شهيد ؛ من حيث إنّه بذل نفسه في نصرة دين الله ، وشهادته له بأنّه (٤) هو الحقّ ، وما سواه هو الباطل.
وأمّا الصّالحون : فقد تقدّم قول عكرمة : إنهم بقيّة الصحابة وقيل : الصّالح من كان صالحا في اعتقاده وفي علمه.
قوله : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) في نصب رفيقا قولان :
أحدهما : أنه تمييز.
والثاني : أنه حال ، وعلى تقدير كونه تمييزا ، فيه احتمالان :
أحدهما : أن يكون منقولا (٥) من الفاعليّة ، وتقديره : وحسن رفيق أولئك ، فالرّفيق على هذا هذا غير المميّز ، ولا يجوز دخول «من» عليه.
والثاني : ألّا يكون منقولا ، فيكون نفس المميّز ، وتدخل عليه «من» ، وإنّما أتى به هنا مفردا ؛ لأحد معنيين :
إما لأن الرّفيق كالخليط والصّديق والرّسول والبريد ، تذهب به العرب إلى الواحد والمثنّى والمجموع (٦) ؛ قال ـ تعالى ـ : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦] وهذا إنّما يجوز في الاسم الّذي يكون صفة ، أمّا إذا كان اسما مصرّحا كرجل وامرأة لم يجز ، وجوّز الزّجّاج (٧) ذلك في الاسم أيضا ، وزعم أنه مذهب سيبويه.
والمعنى الثّاني : أن يكون اكتفى بالواحد عن الجمع لفهم المعنى ، وحسّن ذلك كونه فاصلة ، ويجوز في «أولئك» أن يكون إشارة إلى [النبيين ومن بعدهم ، وأن يكون إشارة إلى](٨) من يطع الله ورسوله ، وإنما جمع على معناها ؛ كقوله [تعالى](٩) : (نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [الحج : ٥] وعلى هذا فيحتمل أن يقال : إنه راعى لفظ
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه البخاري (١٠ / ١٩٠) كتاب الطب : باب ما يذكر في الطاعون (٥٧٣٣) ومسلم (٣ / ١٥٢١) كتاب الإمارة باب بيان الشهداء (١٦٤ / ١٩١٤) من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري.
(٣) في ب : المقتول.
(٤) في ب : بأن الله.
(٥) في ب : مفعولا.
(٦) في ب : يذهب المفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٤٠.
(٨) سقط في أ.
(٩) سقط في أ.