معترض بينهما ، وجوابه ما دلّ عليه قوله : «إنك تصرع» ؛ كقوله : (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) [البقرة : ٧٠] وخرّجه الزّمخشري (١) على التوهّم ؛ فإنه قال : ويجوز أن يقال : حمل على ما يقع موقع (أَيْنَما تَكُونُوا) وهو «أينما كنتم» كما حمل على ما يقع موقع «ليسوا مصلحين» وهو «ليسوا بمصلحين» فرفع كما رفع زهير «ولا ناعب» : [البسيط]
١٨٣٢ ـ ............ |
|
يقول لا غائب مالي ولا حرم (٢) |
وهو قول نحويّ سيبيّ ، يعني منسوب لسيبويه ، فكأنه قال : «أينما كنتم» ، وفعل الشرط إذا كان ماضيا لفظا جاز في جوابه المضارع الرفع والجزم كقول زهير : [البسيط]
١٨٣٣ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة |
|
يقول ... (٣) |
وفي رفعه الوجهان المذكوران عن سيبويه والمبرّد. وردّ عليه أبو حيّان (٤) : بأن العطف على التوهّم لا ينقاس ؛ ولأنّ قوله يؤدّي إلى حذف جواب الشّرط ، ولا يحذف إلّا إذا كان فعل الشّرط ماضيا ، لو قلت : «أنت ظالم إن تفعل» لم يجز. وهذا ـ كما رأيت ـ مضارع ، وفي هذا الردّ نظر لا يخفى.
(وَلَوْ كُنْتُمْ) قالوا : هي بمعنى : «إن» وجوابها محذوف ، أي : لأدرككم ، وذكر الزّمخشري (٥) فيه قولا غريبا عن عند نفسه ، فقال : «ويجوز أن يتّصل بقوله : (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أي : لا تنقصون شيئا ممّا كتب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها ، ثم ابتدأ بقوله : (يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ،) والوقف على هذا الوجه على (أَيْنَما تَكُونُوا) انتهى.
وردّ عليه أبو حيّان (٦) ، فقال : هذا تخريج ليس بمستقيم ، لا من حيث المعنى ولا من حيث الصّناعة النّحوية :
أمّا من حيث المعنى : فإنه لا يناسب أن يكون متّصلا بقوله : (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ؛) لأنّ انتفاء الظّلم ظاهرا إنما هو في الآخرة ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى).
وأمّا من حيث الصّناعة النّحويّة : فإنّ ظاهر كلامه يدلّ على أنّ (أَيْنَما تَكُونُوا) متعلّق بقوله : (وَلا تُظْلَمُونَ) بمعنى ما فسّره ، وهذا لا يجوز ؛ لأن أسماء الشّرط لها صدر الكلام ، فلا يتقدّم عاملها عليها ، فإن ورد مثل : «اضرب زيدا متى جاء» قدّر له عامل يدلّ عليه «اضرب» لا نفس «اضرب» المتقدّم.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٥٣٧.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣١١.
(٥) ينظر : الكشاف ١ / ٥٣٨.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣١١.