فإن قيل : فكذلك يقدّر الزّمخشريّ عاملا يدلّ عليه (وَلا تُظْلَمُونَ) تقديره : «أينما تكونوا فلا تظلمون» فحذف «فلا تظلمون» ، لدلالة ما قبله عليه ، فيخلص من الإشكال المذكور.
قيل : لا يمكن ذلك ؛ لأنه حينئذ يحذف جواب الشّرط وفعل الشرط مضارع ، وقد تقدم أنّه لا يكون إلا ماضيا». وفي هذا الردّ نظر ؛ لأنه أراد تفسير المعنى. قوله : ولا يناسب أن يكون متّصلا بقوله : (وَلا تُظْلَمُونَ) ممنوع ، بل هو مناسب ، وقد أوضحه الزّمخشري بما تقدّم أحسن إيضاح.
والجملة الامتناعيّة في محلّ نصب على الحال ، أي : أينما تكونوا من الأمكنة ، يدرككم الموت ، ولو كانت حالكم أنّكم في هذه البروج ، فيفهم أن إدراكه لهم في غيرها بطريق الأولى والأحرى ، وقريب منه : «أعطوا السّائل ولو على فرس». والجملة الشّرطيّة تحتمل وجهين :
أحدهما : أنها لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنها استئناف إخبار ؛ اخبر ـ تعالى ـ أنّه لا يفوت الموت أحد ، ومنه قول زهير : [الطويل]
١٨٣٤ ـ ومن هاب أسباب المنايا ينلنه |
|
ولو رام أسباب السّماء بسلّم (١) |
والثّاني : أنها في محلّ نصب بالقول قبلها أي : قل متاع الدّنيا قليل ، وقل أيضا : أينما تكونوا.
والجمهور على «مشيدة» بفتح الياء اسم مفعول. ونعيم (٢) بن ميسرة بكسرها ، نسب الفعل إليها مجازا ؛ كقولهم : «قصيدة شاعرة» ، والموصوف بذلك أهلها ، وإنما عدل إلى ذلك مبالغة في الوصف.
والبروج : الحصون مأخوذة من «التّبرّج» وهو الإظهار ، ومنه : (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) ، والبرج في العين : سعتها ، ومنه قول ذي الرّمّة : [البسيط]
١٨٣٥ ـ بيضاء في برج صفراء في غنج |
|
كأنّها فضّة قد مسّها ذهب (٣) |
وقولهم : «ثوب مبرّج» أي : عليه صور البروج ؛ كقولهم : «مرط مرجّل» أي : عليه صور الرّجال ، يروى بالجيم والحاء ، والمشيّدة : المصنوعة بالشّيد ؛ وهو الجصّ ، ويقال : «شاد البناء وشيّده» كرّر العين للتّكثير ؛ ومن مجيء «شاد» قول الأسود : [الخفيف]
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه (١١١) وشرح المعلقات العشر (٨٦) والدر المصون ٢ / ٣٩٩ والبحر المحيط ٣ / ٣١١.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٣٩٩.
(٣) ينظر البيت في ديوانه (٣٣) والخصائص ١ / ٣٢٥ والدر المصون ٢ / ٣٩٩.