أحدها : أنه ـ تعالى ـ لمّا أمر (١) الرّسول ـ [عليه الصلاة والسلام](٢) ـ بأن يحرّض الأمّة على الجهاد ، وهو طاعة حسنة ، بيّن في هذه الآية (٣) أنّ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ، والغرض منه : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يستحقّ بالتّحريض على الجهاد أجرا عظيما.
وثانيها : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يوصيهم (٤) بالقتال ، ويبالغ في تحريضهم عليه ، فكان بعض المنافقين يشفع إلى النّبي صلىاللهعليهوسلم في أن يأذن لهم في التّخلّف عن الغزو ، فنهى [الله](٥) عن مثل هذه الشّفاعة ، وبيّن أن [هذه](٦) الشّفاعة إذا كانت وسيلة إلى معصية ، كانت محرّمة.
وثالثها : أنّه يجوز أن يكون بعض المؤمنين راغبا في الجهاد ، ولا يجد أهبة الجهاد ، فصار غيره من المؤمنين شفيعا له إلى مؤمن آخر ؛ ليعينه على الجهاد ، والشّفاعة مأخوذة من الشّفع وهو الزّوج من العدد ، ومنه الشّفيع ، [وهو](٧) أن يصير الإنسان [نفسه](٨) شفعا لصاحب الحاجة ؛ حتى يجتمع معه على المسألة فيها ، [ومنه ناقة شفوع : إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة ، وناقة شفيع : إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها ، والشّفعة : ضم ملك الشّريك إلى ملكك (٩) ، والشّفاعة إذا ضمّ غيرك إلى جاهك ، فهي
__________________
(١) في أ : أرسل.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : هذا الموضع.
(٤) في ب : يرغبهم.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.
(٨) سقط في ب.
(٩) هي لغة الضم ، يقال : شفعت الشيء ؛ ضممته إلى غيره .. ومناسبة هذا للمعنى الشرعي : أن الشريك يضم نصيب شريكه إلى نصيبه ...
وقيل : من الشّفع ضد الوتر ؛ لأن الشفيع يضمّ حصة شريكه إلى حصته ، فيصيران شفعا ، وقد كانت حصته وترا ...
وقيل : من الشفاعة ؛ لأن الرجل في الجاهلية كان إذا أراد بيع داره ، أتاه شريكه ، فشفع إليه فيما باع ، فشفعه وجعله أولى به من غيره ، وهذا قول محمد بن قتيبة في «غريب الحديث» .. وفي «المصباح» : «شفعت الشيء شفعا من باب «نفع» : ضممته إلى الفرد ، وشفعت الركعة جعلتها ثنتين ، ومن هنا اشتقت الشفعة وهي مثال غرفة ؛ لأن صاحبها يشفع ماله بها ، وهي اسم للملك المشفوع ؛ مثل اللقمة اسم للشيء الملقوم ، وتستعمل بمعنى «التملك» لذلك الملك ؛ ومنه قولهم : «من ثبت له شفعة فأخر الطلب بغير عذر ، بطلت شفعته» ففي هذا المثال جمع بين المعنيين ؛ فإن الأولى للمال ، والثانية للتملك». اه ... وشرعا : «حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض» .. فأركانها ثلاثة :
الأول : مشفوع : وهو الشقص.
الثاني : ومشفوع منه ؛ وهو الشريك الحادث.
الثالث : وشفيع ؛ وهو الشريك القديم.
وأما الصيغة كتملكت بالشفعة ونحوه ، فلا تجب إلا عند التملك ، فهي شرط فيه ، وليست ركنا من أركان الشفعة ؛ لأن الاستحقاق يثبت بالبيع من غير لفظ. ـ