الآية منقطعة عما قبلها ، فإن أرادوا دخول هذه الوجوه في اللّفظ العام فيجوز ؛ لأن خصوص السّبب لا يقدح في عموم اللّفظ.
«والكفل» : النّصيب ، إلّا أنّ استعماله في الشّرّ أكثر ، عكس النصيب ، وإن كان قد استعمل الكفل في الخير ، قال تعالى : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) [الحديد : ٢٨] وأصله قالوا : مستعار من كفل البعير ، وهو كساء يدار حول سنامه ليركب ، سمّي بذلك ؛ لأنّه لم يعمّ ظهره كلّه بل نصيبا منه ، ولغلبة استعماله في الشّرّ ، واستعمال النّصيب في الخير ، غاير بينهما في هذه الآية الكريمة ، إذ أتى بالكفل مع السّيّئة ، والنّصيب مع الحسنة ، و «منها» الظّاهر أن «من» هنا سببيّة ، أي : كفل بسببها [ونصيب بسببها] ، ويجوز أن تكون ابتدائية ، والمقيت : المقتدر [قال ابن عباس : مقتدرا مجازيا] ، قال : [الوافر]
١٨٤٧ ـ وذي ضغن كففت الودّ عنه |
|
وكنت على إساءته مقيتا (١) |
أي : مقتدرا ، ومنه : [الخفيف]
١٨٤٨ ـ ليت شعري وأشعرنّ إذا ما |
|
قرّبوها منشورة ودعيت |
ألي الفضل أم عليّ إذا حو |
|
سبت؟ أنّي على الحساب مقيت (٢) |
وأنشد نضر بن شميل : [الطويل]
١٨٤٩ ـ تجلّد ولا تعجز (٣) وكن ذا حفيظة (٤) |
|
فإنّي على ما ساءهم لمقيت (٥) |
قال النّحّاس : «هو مشتقّ من القوت ، وهو مقدار ما يحفظ به بدن الإنسان من الهلاك» فأصل مقيت : مقوت كمقيم.
[و](٦) يقال : قتّ الرّجل ؛ إذا حفظت عليه نفسه (٧) «وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يقيت» وفي رواية من رواه هكذا ، أي : من هو تحت قدرته وفي قبضته (٨) من عيال (٩) وغيره ؛ ذكره ابن عطيّة (١٠) : يقول [منه : قتّه](١١) أقوته قوتا ، وأقتّه أقيته إقاتة ، فأنا قائت ومقيت.
__________________
(١) البيت للزبير بن عبد المطلب : ينظر البحر ٣ / ٣١٦. والدر المصون ٢ / ٤٠٥ وشواهد الكشاف ٤ / ٣٥١.
(٢) البيتان للسموأل بن عادياء ينظر ديوانه ص ١٢ ، والدرر ٥ / ١٦٦ ، ولسان العرب (قوت) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٢ وشرح الأشموني ٢ / ٥٠٠ ، وإصلاح المنطق ص ٢٧٧ وهمع الهوامع ٢ / ٧٩ ومجاز القرآن ١ / ١٣٥ والكشاف ١ / ٥٤٣ والأصمعيات (٨٦) والعيني ٤ / ٣٢٢ والقرطبي ٥ / ١٩١ والدر المصون ٢ / ٤٠٥ ، والطبري ٥ / ١١٩.
(٣) في ب : تفزع.
(٤) في ب : حفظة.
(٥) ينظر : الرازي ١٠ / ١٦٦.
(٦) سقط في ب.
(٧) في أ : السلام.
(٨) في ب : نفسه.
(٩) في ب : عياله.
(١٠) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٩١.
(١١) سقط في ب.