والثاني ـ قاله أبو البقاء ـ : أنه توكيد ، وهو خطأ ؛ لأنّ المضمر لا يؤكّد المظهر. والمفعول الأول اسم مظهر ، ولكنه حذف ـ كما تقدم ـ وبعضهم يعبّر عنه ، فيقول : أضمر المفعول الأول ـ يعني حذف فلا يعبر عنه بهذه العبارة.
و «هو» ـ في هذه المسألة ـ تتعين فصليته لأنه لا يخلو إمّا أن يكون مبتدأ ، أو بدلا ، أو توكيدا ، والأول منتف ؛ لنصب ما بعده ـ وهو خير ـ وكذلك الثاني ؛ لأنه كان يلزم أن يوافق ما قبله في الإعراب ، فكان ينبغي أن يقال : إياه ، لا «هو» وكذلك الثالث ـ كما تقدم.
أما قراءة الجماعة ، فيجوز فيها أن يكون الفعل مسندا إلى ضمير غائب ـ إما الرسول ، أو حاسب ما ـ ويجوز أن يكون مسندا إلى الذين فإن كان مسندا إلى ضمير غائب ، ف «الذين» مفعول أول ، على حذف مضاف ، كما تقدّم في قراءة حمزة ، أي : بخل الذين ، والتقدير : ولا يحسبنّ الرسول ـ أو أحد ـ بخل الذين يبخلون خيرا لأنفسهم. و «هو» فصل ـ كما تقدم ـ فتتحد القراءتان معنى وتخريجا. وإن كان مسندا إلى «الذين» ففي المفعول الأول وجهان :
أحدهما : أنه محذوف ؛ لدلالة «يبخلون» عليه ، كأنه قيل : ولا يحسبن الباخلون بخلهم هو خيرا لهم و «هو» فصل.
قال ابن عطية : «ودل على هذا البخل «يبخلون» كما دلّ «السّفيه» على السّفه في قول الشاعر :
١٧٠١ ـ إذا نهي السّفيه جرى إليه |
|
وخالف والسّفيه إلى خلاف (١) |
أي : جرى إلى السفه.
قال أبو حيّان : وليست الدلالة فيهما سواء ، لوجهين :
أحدهما : أن الدالّ في الآية هو الفعل ، وفي البيت هو اسم الفاعل ، ودلالة الفعل على المصدر أقوى من دلالة اسم الفاعل ، ولذلك كثر إضمار المصدر ؛ لدلالة الفعل عليه ـ في القرآن وكلام العرب ـ ولم يؤثر دلالة اسم الفاعل على المصدر ، إنما جاء في هذا البيت ، أو في غيره إن وجد أن في الآية حذفا لظاهر ؛ إذ قدّروا المحذوف «بخلهم» وأما في البيت فهو اضمار لا حذف.
الوجه الثاني : أن المفعول نفس «هو» وهو ضمير البخل الذي دلّ عليه «يبخلون» ـ كقوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] ـ قاله أبو البقاء. وهو غلط أيضا ، لأنه كان ينبغي أن يأتي به بصيغة المنصوب ، فيقول : «إياه» لكونه منصوبا ب «يحسبن» ولا ضرورة بنا إلى أن ندّعي أنه من باب استعارة ضمير الرفع مكان النصب كقولهم : ما أنا كأنت ، ولا أنت كأنا.
__________________
(١) تقدم.