قوله : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) أي : ونكتب قتلهم ، أي : رضاهم بالقتل ، والمراد قتل أسلافهم الأنبياء ، ولكن لما رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم ، وحسّن رجل عند الشعبي قتل عثمان ، فقال الشعبي : قد شركت في دمه ، فجعل الرضا بالقتل قتلا ، قال القرطبيّ : وهذه مسألة عظمى ، حيث يكون الرضا بالمعصية معصية ، وقد روى أبو داود عن العرس بن عميرة الكنديّ ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها ـ أو فأنكرها ـ كمن غاب عنها ، ومن غاب فرضيها كان كمن شهدها» (١) وتقدم الكلام على إضافة قتل الأنبياء إلى هؤلاء الحاضرين.
والفائدة في ضمّ أنهم قتلوا الأنبياء إلى وصفهم الله تعالى بالفقر بيان أن جهلهم ليس مخصوصا بهذا الوقت ، بل هم ـ منذ كانوا ـ مصرّون على الجهالات والحماقات.
ثم قال : (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي : النار ، وهو بمعنى المحرق ـ كالأليم بمعنى المؤلم ـ وهذا القول يحتمل أن يقال لهم عند الموت ، أو عند الحشر ، وإن لم يكن هناك قول.
فإن قيل : إنهم أوردوا سؤالا ، وهو أن من طلب المال من غيره كان فقيرا ، فلو طلب الله المال من عبيده لكان فقيرا ، وذلك محال ، فوجب أن يقال : إنه لم يطلب المال من عبيده ، وذلك قادح في كونه صلىاللهعليهوسلم صادقا في ادّعاء النّبوة ، فهذا هو شبهتهم ، فأين الجواب؟ وكيف يحسن ذكر الوعيد قبل ذكر الجواب عنها؟.
فالجواب : إن فرّعنا على قول أهل السّنّة والجماعة قلنا : يفعل الله ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، فلا يبعد أن يأمر الله عبيده ببذل الأموال ، مع كونه تعالى أغنى الأغنياء. وأما على قول المعتزلة ـ فإنه تعالى يراعي المصالح ـ فلا يبعد أن يكون في هذا التكليف أنواع من المصالح العائدة إلى العباد ؛ فإن إنفاق المال يوجب زوال حبّ المال عن القلب ، وذلك من أعظم المنافع ، وتتفرع عليه مصالح كثيرة :
منها : أن إنفاقه سبب للبقاء المخلد في دار الثّواب.
ومنها : أن يصير القلب ـ بذلك الإنفاق ـ فارغا من حبّ ما سوى الله تعالى.
ومنها : أنه لو ترك الإنفاق لبقي حبّ المال في قلبه ، فتتألم روحه لمفارقته.
قوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ) مبتدأ وخبر ، تقديره : ذلك مستحق بما قدمت ، كذا قدره أبو البقاء ، وفيه نظر. و «ما» يجوز أن تكون موصولة ، وموصوفة ، و «ذلك» إشارة إلى ما قدّم من عقابهم ، وهذه الجملة تحتمل وجهين :
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٥٢٨) كتاب الملاحم باب الأمر والنهي رقم (٤٣٤٥) والطبراني في «الكبير» (١٧ / ١٣٩) عن العرس بن عبيدة وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٥٥٣٧) وعزاه أيضا للبيهقي عن أبي هريرة.