أحدهما : أن تكون في محلّ نصب بالقول ؛ عطفا على «ذوقوا» كأنه قيل : ونقول لهم ـ أيضا ـ ذلك بما قدمت أيديكم ، وبّخوا بذلك ، وذكر لهم السبب الذي أوجب العقاب.
الثاني : أن لا تكون داخلة في حكاية القول ، بل تكون خطابا لمعاصري رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم نزول الآية. وذكرت الأيدي ؛ لأن أكثر الأعمال تزاول بها ، قال القرطبيّ : «وخص الأيدي بالذكر ؛ ليدل على تولي الفعل ومباشرته ؛ إذ قد يضاف الفعل إلى الإنسان بمعنى أنه أمر به ، كقوله : (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) [القصص : ٤] وأصل «أيديكم» أيديكم ، فحذفت الضمة ؛ لثقلها.
قوله : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) عطف على «ما» المجرورة بالباء ، أي : ذلك العقاب حاصل بسبب كسبكم ، وعدم ظلمه لكم.
فإن قيل : إن «ظلاما» صيغه مبالغة ، تقتضي التكثير ، فهي أخص من «ظالم» ، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم ، فإذا قلت : زيد ليس بظلام ، أي : ليس كثير الظّلم ـ مع جواز أن يكون ظالما ـ وإذا قلت : ليس بظالم ، انتفى الظلم من أصله فكيف قال تعالى : (لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)؟ فالجواب من وجوه :
الأول : أن «فعّالا» قد لا يراد به [التكثير](١) ، كقول طرفة : [الطويل]
١٧٠٢ ـ ولست بحلّال التّلاع مخافة |
|
ولكن متى يسترفد القوم أرفد (٢) |
لا يريد ـ هنا ـ أنه قد يحل التلاع قليلا ؛ لأن ذلك يدفعه آخر البيت الذي يدل على نفي البخل على كل حال ، وأيضا تمام المدح لا يحصل بإرادة الكثرة.
الثاني : أنه للكثرة ، ولكنه لما كان مقابلا بالعباد ـ وهم كثيرون ـ ناسب أن يقابل الكثير بالكثير.
الثالث : أنه إذا نفي الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ضرورة ؛ لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر ـ كان للظلم القليل المنفعة أترك.
الرابع : أن يكون على النسب ، أي : لا ينسب إليه ظلم ، فيكون من باب بزّاز وعطّار ، كأنه قيل : ليس بذي ظلم ألبتة. ذكر هذه الأربعة أبو البقاء.
وقال القاضي أبو بكر : العذاب الذي توعد أن يفعله بهم ، لو كان ظلما لكان عظيما ، فنفاه على حدّ عظمه لو كان ثابتا.
وقال الراغب : «العبيد ـ إذا أضيف إلى الله تعالى ـ أعم من العباد ، ولهذا قال :
__________________
(١) في ب : المبالغة.
(٢) تقدم برقم ٢٠١.