هم بيّتونا بالهجير هجّدا |
|
وقتلونا ركّعا وسجّدا |
وزعموا أن لست تدعو أحدا |
|
وهم أذلّ وأقلّ عددا (١) |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا نصرت إن لم أنصركم» ، ثمّ تجهّز إلى مكة ، ففتح مكّة سنة ثمان من الهجرة ، فلمّا كانت سنة تسع أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحجّ ، ثم قال : إنّه يحضر المشركون ، فيطوفون عراة.
فبعث أبا بكر تلك السنة أميرا على الموسم ، ليقيم للنّاس الحجّ ، وبعث معه بأربعين آية من صدر سورة «براءة» ليقرأها على أهل الموسم ، ثم بعث عليّا على ناقتة العضباء ليقرأ على النّاس «براءة» وأمره أن يؤذن بمكّة ، ومنى ، وعرفة أن قد برئت ذمة الله ، وذمة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم من كلّ مشرك ، وألا يطوف بالبيت عريان ، فرجع أبو بكر فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، أنزل في شأني شيء؟ قال : لا ، ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلّا رجل من أهلي ، أما ترضى يا أبا بكر أنّك كنت معي في الغار ، وأنّك صاحبي على الحوض؟ قال : بلى يا رسول الله ، فسار أبو بكر أميرا على الحجّ ، وعليّ ليؤذن ب «براءة» ، فلمّا كان قبل التّروية بيوم خطب أبو بكر النّاس ، وحدّثهم عن مناسكهم ، وأقام للنّاس الحجّ ، والعرب في تلك السنة على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية من الحجّ ، حتّى إذا كان يوم النّحر ، قام عليّ بن أبي طالب فأذّن في النّاس بالذي أمر به ، وقرأ عليهم سورة «براءة» (٢).
قال زيد بن يثيع : سألنا عليّا بأي شيء بعثت في الحجّ؟ قال «بعثت بأربع : ألّا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين النّبي صلىاللهعليهوسلم عهد فهو إلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر ، ولا يدخل الجنّة إلّا نفسّ مؤمنة ، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا». ثمّ حجّ النبي صلىاللهعليهوسلم سنة عشر حجة الوداع (٣).
وكان السّبب في بعث النبي صلىاللهعليهوسلم عليّا ، أنّ العرب تعارفوا فيما بينهم في العهود ونقضها ألّا يتولّى ذلك إلا سيدهم ، أو رجل من رهطه ، فبعث عليّا إزاحة للعلّة ، لئلّا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه في نقض العهود.
__________________
(١) تنظر هذه الأبيات وهي لعمرو بن سالم الخزاعي في الاستيعاب لابن عبد البر ٤ / ٦٣١ أيام العرب في الجاهلية (٩٧) السيرة لابن هشام ٤ / ٣٠٠ والدر المنثور للسيوطي ٣ / ٢١٥ والآلوسي في روح المعاني ١٠ / ٤٤.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧) عن ابن إسحاق ومجاهد.
(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٥٧) كتاب التفسير : باب سورة الأنفال رقم (٣٠٩٢) والحاكم (٣ / ٥٢).
وقال الترمذي : هذا حديث حسن.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٧٩) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والنحاس وابن مردويه والبيهقي في «الدلائل».