وقال الكلبيّ : إنما كانت الأربعة أشهر من كان له عهد دون أربعة فأتموا له أربعة أشهر ، فأمّا من كان عهده أكثر من أربعة أشهر فهذا أمر بإتمام عهده بقوله (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ).
قال الحسن «أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بقتال من قاتله من المشركين ، فقال : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [البقرة : ١٩٠] وكان لا يقاتل إلّا من قاتله ثم أمره بقتال المشركين والبراءة منهم ، وأجلهم أربعة أشهر ، فلم يكن لأحد منهم أجل أكثر من أربعة أشهر لا من كان له عهد قبل البراءة ، ولا من لم يكن له عهد ، وكان الأجل لجميعهم أربعة أشهر ، وأحل دماء جميعهم من أهل العهود وغيرهم بعد انقضاء الأجل» (١).
والمقصود من هذا الإعلام أمور :
أولها : أن يتفكروا لأنفسهم ويحتاطوا في هذا الأمر ، ويعلموا أنّه ليس لهم بعد هذه المدة إلّا أحد أمور ثلاثة :
إمّا الإسلام أو قبول الجزية أو السيف ، فيصير ذلك حاملا لهم على الإسلام.
وثانيها : لئلّا ينسب المسلمون إلى نكث العهد.
وثالثها : أراد الله أن يعمّ جميع المشركين بالجهاد ، فعمّ الكل بالبراءة وأجلهم أربعة أشهر ، وذلك لقوة الإسلام وتخويف الكفار ، ولا يصحّ ذلك إلا بنقض العهود.
ورابعها : أراد النبي صلىاللهعليهوسلم أن يحج في السّنة الآتية ، فأمر بإظهار هذه البراءة لئلّا يشاهد العراة ، وقيل : نزل هذا قبل تبوك.
وقال محمد بن إسحاق ومجاهد وغيرهما : نزلت في أهل مكّة. وذلك أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوسلم عاهد قريشا عام الحديبية ، على أن يضعوا الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ودخلت خزاعة في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم عدت بنو بكر على خزاعة فنالت منها ، وأعانتهم قريش بالسّلاح فلمّا تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ، ونقضوا العهد ، خرج عمرو بن سالم الخزاعيّ ، حتى وقف على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : [الرجز]
٢٧٤٣ ـ لاهمّ إنّي ناشد محمّدا |
|
حلف أبينا وأبيه الأتلدا |
كنت لنا أبا وكنّا ولدا |
|
ثمّت أسلمنا ولم ننزع يدا |
فانصر هداك الله نصرا أبدا |
|
وادع عباد الله يأتوا مددا |
فيهم رسول الله قد تجرّدا |
|
في فيلق كالبحر يجري مزبدا |
أبيض مثل الشّمس يسمو صعدا |
|
إن سيم خسفا وجهه تربّدا |
إنّ قريشا أخلفوك الموعدا |
|
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا |
__________________
(١) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٥ / ١٧٥).