وقال قتادة : الفقير : المحتاج الزّمن ، والمسكين : الصحيح المحتاج (١). وروي عن عكرمة الفقراء من المسلمين ، والمساكين من أهل الكتاب (٢). وقال الشافعي الفقير من لا مال ولا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غير زمن ، والمسكين من له مال أو حرفة لا تغنيه سائلا كان أو غير سائل.
واستدل بقوله : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) [الكهف : ٧٩] فأثبت لهم ملكا ، وكان عليه الصلاة والسّلام يتعوذ من الفقر ، وقال : كاد الفقر أن يكون كفرا (٣). وكان يقول : اللهمّ أحيني مسكينا وأمتني مسكينا (٤) ، فكيف كان يتعوذ من الفقر ، ويسأل ما هو دونه وهذا تناقض؟.
وقال أصحاب الرأي : الفقير أحسن حالا من المسكين. وقيل : الفقير من له المسكن والخادم والمسكين من لا ملك له ، وقالوا كل محتاج إلى شيء فهو فقير إليه ، وإن كان غنيا عن غيره قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) [فاطر : ١٥] ، والمسكين المحتاج إلى كلّ شيء ألا ترى كيف حضّ على طعامه ، وجعل طعام الكفارة له ، ولا فاقة أشد من الحاجة إلى سد الجوعة.
وقال إبراهيم النخعيّ : الفقراء هم المهاجرون ، والمسكين من لم يهاجر ، وقيل : لا فرق بين الفقراء والمساكين فالله تعالى وصفهم بهذين الوصفين ، والمقصود شيء واحد ، وهو قول أبي يوسف ومحمد.
وفائدة الخلاف تظهر في مسألة : وهي أنّه لو أوصى لفلان وللفقراء والمساكين ، فالذين قالوا : الفقراء غير المساكين ، قالوا : لفلان الثلث ، والذين قالوا : الفقراء هم المساكين قالوا لفلان النصف. واختلفوا في حدّ الغني الذي يمنع أخذ الصّدقة ، فقال الأكثرون : حده أن يكون عنده ما يكفيه وعياله سنة ، وهو قول مالك ، والشافعي. وقال أصحاب الرأي : حدّه أن يملك مائتي درهم. وقيل : من ملك خمسين درهما ، لا يحلّ له أخذ الصدقة. روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : من سأل النّاس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش. قيل : وما يغنيه؟ قال : «خمسون درهما أو قيمتها
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٩٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٤٩) وعزاه إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبي الشيخ.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٩٦) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٠٣).
(٣) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٣ / ٥٣ ، ١٠٩) وفي «أخبار أصبهان» (١ / ٢٩٠) وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٢ / ٨٠٥) والعقيلي في «الضعفاء» (٤ / ٢٠٦) من طريق يزيد الرقاشي عن أنس.
(٤) أخرجه الترمذي في السنن (٤ / ٥٧٧ ـ ٥٧٨) كتاب الزهد (٣٧) باب ما جاء أن فقراء المهاجرين ..
(٣٧) الحديث (٢٣٥٢) واللفظ له وأخرجه البيهقي في السنن ٧ / ١٢ كتاب الصدقات باب ما يستدل به على أن الفقير أمس حاجة من المسكين.