من الذّهب» (١) ، وهو قول الثوري ، وابن المبارك ، وأحمد وإسحاق وقالوا : لا يجوز أن يعطى الرجل من الزكاة أكثر من خمسين ، وقيل : أربعون درهما لقول النبي صلىاللهعليهوسلم «من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا» (٢).
قوله : (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) وهم السّعاة لجباية الصدقة ، يعطون بقدر أجور أمثالهم.
وقال مجاهد والضحاك : يعطون الثمن ، ولا يجوز أن يكون العامل على الصدقة هاشميا ولا مطلبيا ؛ لأنّ الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أبى أن يبعث أبا رافع عاملا على الصّدقات وقال: أما علمت أن مولى القوم منهم (٣).
قوله : (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) قال ابن عباس : هم أشراف من الأحياء أعطاهم رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يوم حنين ، وكانوا خمسة عشر رجلا : أبو سفيان ، والأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن ، وحويطب بن عبد العزى ، وسهل بن عمرو من بني عامر ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو الجهنيّ ، وأبو السنابل ، وحكيم بن حزام ، ومالك بن عوف وصفوان ابن أمية ، وعبد الرحمن بن يربوع ، والجدّ بن قيس ، وعمرو بن مرداس ، والعلاء بن الحرث ، أعطى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم كلّ رجل منهم مائة من الإبل ورغبهم في الإسلام ، إلّا عبد الرحمن بن يربوع أعطاه خمسين من الإبل ، وأعطى حكيم بن حزام سبعين من الإبل ، فقال : يا رسول الله ما كنت أرى أنّ أحدا من النّاس أحق بعطائك مني فزاده عشرة ، وهكذا حتى بلغ مائة ، ثم قال حكيم : يا رسول الله ، أعطيتك الأولى التي رغبت عنها خير أم هذه التي قنعت بها؟ فقال عليه الصّلاة والسّلام : بل التي رغبت عنها ، فقال : والله لا آخذ غيرها فقيل : مات حكيم وهو أكثر قريش مالا ، وشقّ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلك العطايا ، لكن ألفهم بذلك (٤). قال ابن الخطيب : وهذه العطايا إنّما كانت يوم حنين ، ولا تعلق لها بالصدقات ، ولا أدري لأي سبب ذكر ابن عبّاس هذه القصة في تفسير هذه الآية وإنّما ذكر ابن عباس ذلك بيانا للمؤلّفة من هم ، فذكر ذلك مثالا.
واعلم أنّ المؤلفة قسمان ، مسلمون وكفار ، فأمّا المسلمون فيعطون لأجل قوّة إيمانهم أو معونتهم على أخذ الزّكاة ممّن امتنع عن دفعها ، أو ترغيبا لأمثالهم في الإسلام وأما الكفّار ؛ فيعطون ترغيبا لهم في الإسلام ، أو خشية من شرهم ، كما أعطى النبي صلىاللهعليهوسلم صفوان بن أمية لمّا رأى من ميله في الإسلام.
قال الواحديّ إنّ الله تعالى أغنى المسلمين عن تألف قلوب المشركين ، فإن رأى الإمام في ذلك مصلحة يعود نفعها على المسلمين إذا كانوا مسلمين جاز ، ويعطون من الفيء لا من الزّكاة.
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) ذكره الفخر الرازي في «تفسيره» (١٦ / ٨٨ ـ ٨٩).
(٤) ينظر : الفخر الرازي (١٦ / ٨٨ ـ ٨٩).