نملك الغرّة يا رسول الله ، فقال لحمل بن مالك بن النّابغة أعنهم بغرة من صدقاتهم وكان حمل على الصدقة يومئذ (١).
قوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) قال المفسّرون : يعني الغزاة ، قال أكثر العلماء : يجوز له أن يأخذ من الزّكاة وإن كان غنيا. وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يعطى الغازي إلّا مع الحاجة.
ونقل القفال في تفسيره عن بعض العلماء أنّهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى ، وبناء الحصون ، وعمارة المساجد ؛ لأن قوله : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) عام في الكل وقال أكثر أهل العلم : لا يعطى منه شيء في الحج. وقال قوم : يجوز أن يصرف سهم في سبيل الله إلى الحج ، يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن ، وأحمد ، وإسحاق (٢).
قوله : (وَابْنِ السَّبِيلِ) وهو كل من يريد سفرا مباحا ولم يكن له ما يقطع به المسافة يعطى له قدر ما يقطع به تلك المسافة ، وإن كان ذا يسار في بلده. وقال قتادة : ابن السبيل : هو الضعيف وقال فقهاء العراق : ابن السبيل : الحاج المنقطع.
واعلم أنّ مال الزّكاة لا يخرج عن هذه الثمانية. واختلفوا هل يجوز وضعه في بعض الأصناف؟ إذا قلنا يجوز وضعه في بعض الأصناف ، فإنّما يجوز في غير العامل ، فأمّا وضعه بالكليّة في العامل فلا يجوز بالاتفاق.
فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى ذكر الأصناف الستة وهم : الفقراء ، والمساكين ، والعاملون والمؤلفة ، والرقاب ، والغارمون ، بصيغة الجمع ، وذكر الصنفين الآخرين ، وهما : في سبيل الله وابن السبيل بصيغة الإفراد؟.
فالجواب : أنّ المراد بهما الجنس وهو جمع حقيقة ، ولا يقال : هلّا ذكر الأصناف الستّة بصيغة الإفراد ويكون المراد الجنس كهذين ؛ لأنا نقول : لو أفرد في الجميع ، فلا يخلو إمّا أن يفردهم معرفين بالألف واللام ، أو منكرين ، فإن عرّفهم بالألف واللّام ، احتمل أن تكون الألف واللام للعهد ؛ فينصرف بهم السّامع إلى صرف الزّكاة إلى معهود سابق معين وليس هو المقصود من الآية بالإجماع ، وإن أفردهم منكرين ، فهم منه أنّ الزّكاة لا يجوز دفعها إلى فقير واحد ، أو مسكين واحد ، وكذلك سائرها ، ولا يجوز دفعها لاثنين فما زاد ، وهو خلاف الإجماع.
فصل
والسّبيل : الطريق ، ونسب المسافر إليها لملازمته إيّاها ، ومروره عليها قال بعض
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ٩٠) وعزاه لأبي بكر الأصم في تفسيره.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٠٤).