أذن يؤمن ورحمة. وقرأ (١) حمزة والأعمش «ورحمة» بالجر نسقا على «خير» المخفوض بإضافة «أذن» إليه ، والجملة على هذه القراءة معترضة بين المتعاطفين ، تقديره : أذن خير ورحمة. وقرأ ابن أبي (٢) عبلة : «ورحمة» نصبا على أنّه مفعول من أجله ، والمعلل محذوف ، أي : يأذن لكم رحمة بكم ، فحذف لدلالة قوله : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ).
فإن قيل : كل رحمة خير ، فأي فائدة في ذكر الرحمة عقيب ذكر الخير؟.
[فالجواب : إنّ أشرف أقسام الخير هو الرحمة ، فجاز ذكر الرحمة عقيب ذكر الخير](٣) كقوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨]. ولمّا بيّن كونه سببا للخير والرحمة ، بيّن أنّ كلّ من آذاه استوجب العذاب الأليم لأنّه يسعى في إيصال الخير والرحمة إليهم وهو يقابلون إحسانه بالإساءة ، وخيره بالشّر ؛ فلذلك استوجبوا العذاب الأليم.
قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) الآية.
وهذا نوع آخر من قبائح أفعال المنافقين ، وهو إقدامهم على الأيمان الكاذبة ، قال قتادة والسديّ : اجتمع ناس من المنافقين ، فيهم الجلاس بن سويد ، ووديعة بن ثابت فوقعوا في النبيصلىاللهعليهوسلم وقالوا : إن كان ما يقول محمد حقّا فنحن شرّ من الحمير ، وكان عندهم غلام من الأنصار ، يقال له : عامر بن قيس ، فحقّروه ، وقالوا هذه المقالة ، فغضب الغلام وقال : والله إنّ ما يقول محمد حق ، وأنتم شرّ من الحمير ثم أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فأخبره فدعاهم ، فسألهم ؛ فحلفوا أنّ عامرا كذّاب وحلف عامر أنهم كذبة ، فصدقهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم فجعل عامر يدعو ويقول اللهمّ صدق الصّادق وكذب الكاذب ، فأنزل الله هذه الآية (٤). وقال مقاتل والكلبيّ : نزلت في رهط من المنافقين ، تخلّفوا عن غزوة تبوك فلمّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتوه يعتذرون ويحلفون ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٥).
قوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ).
إنّما أفرد الضمير ، وإن كان الأصل في العطف ب «الواو» المطابقة ، لوجوه :
أحدها : أنّ رضا الله ورسوله شيء واحد ، (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء:
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣١٦) ، الحجة للقراء السبعة ٤ / ٢٩٣ ، حجة القراءات ص (٣٢٠) ، إعراب القراءات ١ / ٢٥٠ ، إتحاف ٢ / ٩٤.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٨٥ ، البحر المحيط ٥ / ٦٥ ، الدر المصون ٣ / ٣ / ٤٧٧.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٠٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٥٤) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة.
وذكره (٣ / ٤٥٤) عن السدي وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٥) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧) والرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ٩٥).