لما شرح أنواع قبائح أفعالهم ، بين أن إناثهم كذكورهم في تلك الأعمال المنكرة.
قوله : (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) مبتدأ وخبر ، أي : من جنس بعض ، ف «من» هنا لبيان الجنس وقيل : للتبعيض ، أي : إنهم إنما يتو الدون بعضهم من بعض على دين واحد ، وقيل: أمرهم واحد بالاجتماع على النفاق ، ثم فصل هذا الكلام فقال : (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ). هذه الجملة لا محل لها ؛ لأنها مفسرة لقوله : (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) ، وكذلك ما عطف على «يأمرون» ولفظ المنكر يدخل فيه كل قبيح ، ولفظ المعروف يدخل فيه كل حسن ، إلا أن الأعظم هاهنا من المنكر الشرك والمعصية ، والمراد الأعظم هاهنا من المعروف الإيمان بالرسول (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) أي : يمسكونها عن الصدقة ، والإنفاق في سبيل الله. (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) تركوا طاعة الله فتركهم من توفيقه وهدايته في الدنيا ومن رحمته في العقبى.
وإنما حملنا النسيان على الترك ، لأن من نسي شيئا لم يذكره ، فجعل اسم الملزوم كناية عن اللازم ، ولأن النسيان ليس في وسع البشر ، وهو في حق الله تعالى محال فلا بد من التأويل ، وهو ما ذكرنا من الترك ؛ لأنهم تركوا أمر الله حتى صاروا كالنسي المنسي ، فجازاهم بأن صيرهم كالشيء المنسي ، كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ثم قال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي : الكاملون في الفسق.
قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) الآية.
قال القرطبي وغيره : يقال : وعد الله بالخير وعدا ، ووعد بالشر وعيدا. وقيل : لا يقال من الشر إلا «أوعدته» و «توعدته» وهذه الآية رد عليه. لما بين في المنافقين والمنافقات أنه نسيهم ، أي : جازاهم على تركهم التمسك بطاعة الله ، أكد هذا الوعيد وضم المنافقين إلى الكفار فيه ، فقال : (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) الآية.
وقوله : «خالدين» حال من المفعول الأول للوعد ، وهي حال مقدرة ؛ لأن هذه الحال لم تقارن الوعد. وقوله : (هِيَ حَسْبُهُمْ) لا محل لهذه الجملة الاستئنافية. والمعنى : أن تلك العقوبة كافية لهم ولا شيء أبلغ منها ، ولا يمكن الزيادة عليها.
ثم قال : (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم الله من رحمته ، (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) دائم.
فإن قيل : معنى المقيم والخالد واحد فيكون تكرارا.
فالجواب : من وجهين :
الأول : أن لهم نوعا آخر من العذاب المقيم الدائم سوى العذاب بالنار والخلود المذكور أولا ، ولا يدل على أن العذاب بالنار دائم. وقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) يدل على أن لهم مع ذلك نوعا آخر من العذاب.
فإن قيل هذا مشكل ؛ لأنه قال في النار المخلدة : (هِيَ حَسْبُهُمْ) وكونها حسبا يمنع