أظهرهما : أنّ الياء متعلقة بالفعل قبلها.
والثاني : أنها حال من «الدّوائر» قاله أبو البقاء وليس بظاهر ، وعلى هذا يتعلق بمحذوف على ما تقرّر. و «الدّوائر» جمع «دائرة» وهي ما يحيط بالإنسان من مصيبة ونكبة ، تصوّرا من الدّائرة المحيطة بالشّيء من غير انفلات منها ، وأصلها : «داورة» ؛ لأنّها من دار يدور ، أي : أحاط ، ومعنى «تربّص الدّوائر» أي : انتظار المصائب ؛ قال : [الطويل]
٢٨٣٧ ـ تربّص بها ريب المنون لعلّها |
|
تطلّق يوما أو يموت حليلها (١) |
قال يمان بن رئاب : «يعني ينقلب الزّمان عليكم فيموت الرسول صلىاللهعليهوسلم ويظهر المشركون». قوله : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) هذه الجملة معترضة بين جمل هذه القصّة ، وهي دعاء على الأعراب المتقدمين ، وقرأ ابن كثير (٢) وأبو عمرو هنا : «السّوء» ، وكذا الثانية في الفتح بالضّم والباقون بالفتح.
وأمّا الأولى في الفتح ، وهي «ظنّ السّوء».
فاتفق على فتحها السبعة. فأمّا المفتوح فقيل : هو مصدر.
قال الفرّاء (٣) : «فتح السّين هو الوجه ؛ لأنّه مصدر يقال : سؤته سوءا ، ومساءة ، وسوائية ، ومسائية ، وبالضّم الاسم ، كقولك : عليهم دائرة البلاء والعذاب».
قال أبو البقاء : «وهو الضّرر ، وهو مصدر في الحقيقة». يعني أنّه في الأصل كالمفتوح ، في أنّه مصدر ، ثمّ أطلق على كل ضرر وشرّ. وقال مكي : «من فتح السّين فمعناه الفساد والرّداءة ، ومن ضمّها فمعناه الهزيمة والبلاء والضّرر». وظاهر هذا أنّهما اسمان لما ذكر. ويحتمل أن يكونا في الأصل مصدرا ، ثم أطلقا على ما ذكر. وقال غيره : المضموم العذاب والضرر ، والمفتوح: الذم ، ألا ترى أنّه أجمع على فتح (ظَنَّ السَّوْءِ) [الفتح : ٦] وقوله : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) [مريم : ٢٨] ، إذ لا يليق ذكر العذاب بهذين الموضعين. وقال الزمخشري فأحسن : «المضموم : العذاب ، والمفتوح ذمّ ل «دائرة» كقولك : رجل سوء ، في نقيض رجل عدل ؛ لأنّ من دارت عليه يذمّها». يعني أنّها من باب إضافة الموصوف إلى صفته ، فوصفت في الأصل بالمصدر مبالغة ، ثم أضيفت لصفتها ، كقوله تعالى : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) [مريم : ٢٨]. قال أبو حيّان «وقد حكي بالضّمّ» ؛ وأنشد الأخفش : [الطويل]
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : السبعة ص (٣١٦) ، الحجة للقراءات السبعة ٤ / ٢٠٦ ـ ٢٠٩ ، حجة القراءات ص (٣٢١) ، إعراب القراءات ١ / ٢٥٢ ، إتحاف ٢ / ٩٦.
(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٥٠.