أظهرهما : أنّها نسق على «قربات» ، وهو ظاهر كلام الزمخشري ، فإنّه قال : «والمعنى أنّ ما ينفقه سبب لحصول القربات عند الله وصلوات الرسول ، لأنّه كان يدعو للمتصدّقين بالخير ، كقوله : اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى». والثاني ـ وجوّزه ابن عطية ولم يذكر أبو البقاء غيره ـ : أنها منسوقة على (ما يُنْفِقُ) ، أي : ويتّخذ بالأعمال الصّالحة صلوات الرسول قربة.
قوله : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ) الضمير في «إنّها» قيل : عائد على «صلوات». وقيل : على النّفقات أي : المفهومة من «ينفقون». وقرأ (١) ورش «قربة» بضمّ القاف والرّاء ، والباقون بسكونها ، فقيل : لغتان. وقيل : الأصل السكون ، والضّم إتباع. وقد تقدّم الخلاف بين أهل التصريف ، هل يجوز تثقيل «فعل» إلى «فعل»؟ وأنّ بعضهم جعل «يسرا ، عسرا» بضمّ السين فرعين على سكونها ، وقيل : الأصل «قربة» بالضّمّ ، والسكون تخفيف ، نحو : كتب ورسل ، وهذا أجرى على لغة العرب ، إذ مبناها الهرب من الثّقل إلى الخفة. وفي استئناف هذه الجملة وتصدّرها بحرفي التنبيه والتحقيق المؤذنين بثبات الأمر وتمكّنه شهادة من الله بصحة ما اعتقده من إنفاقه. قال معناه الزمخشريّ ، قال : وكذلك سيدخلهم وما في السّين من تحقيق الوعد.
ثم قال : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لسيّآتهم «رحيم» بهم حيث وفقهم لهذه الطّاعات.
قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) الآية.
(وَالسَّابِقُونَ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنّه مبتدأ ، وفي خبره ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنّه الجملة الدعائية من قوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ).
والثاني : أنّ الخبر قوله : «الأوّلون» ، والمعنى : والسّابقون إلى الهجرة الأوّلون من أهل هذه الملّة ، أو السابقون إلى الجنّة الأولون من أهل الهجرة.
الثالث : أنّ الخبر قوله : (مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) والمعنى فيه الإعلام بأنّ السابقين من هذه الأمّة من المهاجرين والأنصار ، ذكر ذلك أبو البقاء. وفي الوجهين الأخيرين تكلّف.
الثاني من وجهي «السّابقين» : أن يكون نسقا على (مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) ، أي : ومنهم السابقون ، وفيه بعد ، والجمهور على جرّ «الأنصار» نسقا على «المهاجرين» يعني أنّ السابقين من هذين الجنسين.
وقرأ جماعة (٢) كثيرة أجلّاء : عمر بن الخطّاب ، وقتادة ، والحسن ، وسلام ، وسعيد
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣١٧) ، الحجة ٤ / ٢٠٩ ـ ٢١٢ ، حجة القراءات ص (٣٢٢) ، إعراب القراءات ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، إتحاف ٢ / ٩٧.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٠٤ ، المحرر الوجيز ٣ / ٧٥ ، البحر المحيط ٥ / ٩٦ ، الدر المصون ٣ / ٤٩٧.