ومعنى الآية : اقعدوا لهم على كل طريق ـ والمرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو يريد : كونوا لهم رصدا ، لتأخذوهم من أي وجه توجهوا.
قوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) أي : دعوهم ليتصرفوا في أمصارهم ، ويدخلوا مكة (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب (رَحِيمٌ) به.
واحتجوا بهذه الآية على قتل تارك الصلاة ؛ لأن الله تعالى أباح دم الكفار مطلقا ثم حرمها عند التوبة ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فإذا لم توجد الثلاثة ، فإباحة الدم بحالها.
قال الحسين بن الفضل : «هذه الآية تنسخ كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء» (١).
قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) الآية.
روى ابن عباس : أن رجلا من المشركين قال لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : إن أردنا أن نأتي الرسول بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله ، أو لحاجة أخرى ، فهل نقتل؟ فقال علي ـ رضي الله عنه ـ : «لا» لأن الله قال : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) أي : فأمنه حتى يسمع كلام الله (٢).
فتقرير النظم : أنه لما أوجب بانسلاخ الأشهر الحرم قتل المشركين ، دل ذلك على أن حجة الله تعالى قد قامت عليهم ، وأن ما ذكره عليه الصلاة والسلام قبل ذلك من الدلائل كفى في إزاحة عذرهم ، وذلك يقتضي أن أحدا من المشركين لو طلب الدليل والحجة لا يلتفت إليه ، بل يطالب إما بالإسلام ، وإما بالقتل ، فذكر الله تعالى هذه الآية إزالة لهذه الشبهة ، وبين أن الكافر إذا جاء طالبا الدليل والحجة ، أو طالبا لا ستماع القرآن ، فإنه يجب إمهاله ويحرم قتله.
قوله : (وَإِنْ أَحَدٌ) كقوله (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) [النساء : ١٧٦] في كونه من باب الاشتغال عند الجمهور.
قال ابن الخطيب (٣) : (أَحَدٌ) مرتفع بفعل مضمر يفسره الظاهر ، وتقديره : «وإن استجارك أحد ، ولا يجوز أن يرتفع بالابتداء ، لأن «إن» من عوامل الفعل لا تدخل على غيره». قوله (حَتَّى يَسْمَعَ) يجوز أن تكون هنا للغاية ، وأن تكون للتعليل ، وعلى كلا التقديرين تتعلق بقوله (فَأَجِرْهُ) ، وهل يجوز أن تكون هذه المسألة من باب التنازع أم لا؟ وفيه غموض ، وذلك أنه يجوز من حيث المعنى أن تعلق (حَتَّى) بقوله (اسْتَجارَكَ) ، أو بقوله (فَأَجِرْهُ) إذ يجوز تقديره : وإن استجارك أحد حتى يسمع كلام الله فأجره ، حتى
__________________
(١) ذكره البغوي ف ي «تفسيره» (٢ / ٢٦٩).
(٢) انظر تفسير الرازي (١٥ / ١٨١).
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٥ / ١٨١.