وبعضها يسمع ، وجعل هذا نظير ما فعل سيبويه في بيت ساعدة : [الكامل]
٢٧٤٥ ـ لدن بهز الكف يعسل متنه |
|
فيه كما عسل الطريق الثعلب (١) |
وهو أنه جعله مما حذف فيه الحرف اتساعا ، لا على الظرف ، لأنه ظرف مكان مختص.
قال أبو حيان (٢) «إنه ينتصب على الظرف ؛ لأن معنى (وَاقْعُدُوا) لا يراد به حقيقة القعود ، وإنما يراد : ارصدوهم ، وإذا كان كذلك فقد اتفق العامل والظرف في المائدة ، ومتى اتفقا في المائدة لفظا ، أو معنى ، وصل إليه بنفسه ، تقول : جلست مجلس القاضي ، وقعدت مجلس القاضي ، والآية من هذا القبيل».
والثاني : أنه منصوب على إسقاط حرف الجر ، وهو «على» ، أي : على كل مرصد قاله الأخفش ، وجعله مثل قول الآخر : [الطويل]
٢٧٤٦ ـ تحن فتبدي ما بها من صبابة |
|
وأخفي الذي لو لا الأسى لقضاني (٣) |
وهذا لا ينقاس ، بل يقتصر فيه على السماع ، كقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ) [الأعراف : ١٦] ، أي : على صراطك ، اتفق الكل على تقدير «على» ، وقال بعضهم : هو على تقدير الباء ، أي : بكل مرصد ، نقله أبو البقاء ، وحينئذ تكون الباء بمعنى «في» فينبغي أن تقدر «في» لأن المعنى عليها ؛ وجعله نظير قول الشاعر : [الوافر]
٢٧٤٧ ـ نغالي اللحم للأضياف نيئا |
|
ونرخصه إذا نضج القدور (٤) |
و «المرصد» مفعل من : رصده يرصده ، أي : رقبه يرقبه ، وهو يصلح للزمان والمكان والمصدر ، قال عامر بن الطفيل : [الكامل]
٢٧٤٨ ـ ولقد علمت وما إخالك ناسيا |
|
أن المنية للفتى بالمرصد (٥) |
والمرصاد : المكان المختص بالترصد ، والمرصد : يقع على الراصد ، سواء كان مفردا أم مثنى أم مجموعا ، وكذلك يقع عل ى «المرصود». وقوله تعالى : (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) [الجن : ٢٧] يحتمل كل ذلك ؛ وكأنه في الأصل مصدر ، فلذلك التزم فيه الإفراد والتذكير.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٢.
(٣) تقدم.
(٤) البيت ذكره الفراء في المعاني ٢ / ٣٨٣ والزجاج ١ / ١٩١ والأخفش ١ / ٣٥٠ والأزهري في التهذيب «غِلًّا» واللسان «غِلًّا» والصحاح «غلا» والزمخشري في أساس البلاغ ة «غلو».
(٥) البيت في ديوان عامر بن الطفيل هكذا :
فيئي إليك فلا هوادة بيننا |
|
بعد الفوارس إذ ثووا بالمرصد |
وهو في ديوانه (ص ٥٧) مجاز القرآن ١ / ٢٥٣ القرطبي ٨ / ٧٣ البحر المحيط ٥ / ٥ الدر المصون ٣ / ٤٤٤ اللسان رصد.