عين! أليس بإمام مسجد الضرار؟ فقال له مجمع : يا أمير المؤمنين ، لا تعجل عليّ ، فو الله لقد صليت فيه ، وأنا لا أعلم ما أضمروا عليه ، ولو علمت ما صلّيت بهم فيه ، كنت غلاما قارئا للقرآن ، وكانوا شيوخا قد عاشوا على جاهليتهم ، وكانوا لا يقرءون من القرآن شيئا ، فصلّيت ولا أحسب ما صنعت إثما ، ولم أعلم ما في أنفسهم ؛ فعذره عمر ، وصدّقه وأمره بالصلاة في مسجد قباء».
فصل
قال القرطبيّ «قال علماؤنا : إذا كان المسجد الذي يتّخذ للعبادة وحضّ الشارع على بنائه بقوله : «من بني لله مسجدا ، ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنّة» (١) يهدم إذا كان فيه ضرر بغيره ؛ فما ظنّك بسواه بل هو أحرى أن يزال ويهدم. كمن بنى فرنا أو رحى أو حفر بئرا ، أو غير ذلك ممّا يدخل ضررا على الغير. والضّابط فيه : أنّ من أدخل ضررا على أخيه منع ، فإن أدخل على أخيه ضررا بفعل ما كان له فعله في ماله ، فأضرّ ذلك بجاره ، أو غير جاره ، نظر إلى ذلك الفعل ، فإن كان تركه أكبر ضررا من الضّرر الدّاخل على الفاعل قطع أكبر الضّررين. مثل من فتح كوة في منزله يطلع منها على دار أخيه وفيها العيال والأهل ، ومن شأن النساء في بيوتهن التجرد من بعض ثيابهنّ والانتشار في حوائجهن ، ومعلوم أنّ الاطلاع على العورات محرّم ، نهى الشّارع عن الاطلاع إلى العورات فرأى العلماء أن يغلقوا الكوّة وإن كان فيها منفعة وراحة ؛ لأنّ ضرر الكوّة أعظم من ضرر سدّها ، خلافا للشافعي ، فإنّ أصحابه قالوا : لو حفر في ملكه بئرا ، وحفر آخر في ملكه بئرا يسرق منها ماء البئر الأولى جاز ؛ لأنّ كلّ واحد حفر في ملكه ؛ فلا يمنع ، ومثله عندهم : لو حفر إلى جنب بئر جاره كنيفا يفسد عليه ماءه لم يكن له منعه ؛ لأنه تصرف في ملكه ، والقرآن والسّنّة يردان هذا القول. ومن هذا النوع من الضّرر الذي منع العلماء منه ، دخان الفرن والحمام وغبار الأندر والدّود المتولد من الزبل المنشور في الرحاب ؛ فإنه يمنع منه ما كثر ضرره وخشي تماديه».
قوله : «... لمسجد ..» فيه وجهان :
أحدهما : أنّها لام الابتداء.
والثاني : أنّها جواب قسم محذوف تقديره : والله لمسجد أسّس ، أي : بني أصله على التقوى.
وعلى التقديرين فيكون «لمسجد» مبتدأ ، و «أسّس» في محل رفع نعتا له ، و «أحقّ» خبره. والقائم مقام الفاعل ضمير المسجد على حذف مضاف ، أي : أسّس بنيانه ، و (مِنْ أَوَّلِ) متعلق به ، وبه استدلّ الكوفيون على أنّ «من» تكون لابتداء الغاية في الزمان ؛ واستدلّوا أيضا بقوله : [الطويل]
__________________
(١) تقدم تخريجه.