بمعنى : الوطء وأن يكون مكانا ، والأوّل أظهر ؛ لأنّ فاعل «يغيظ» يعود عليه من غير تأويل ، بخلاف كونه مكانا ، فإنّه يعود على المصدر ، وهو الوطء ، الدالّ عليه مكان الموطىء. والمعنى : لا يضع الإنسان قدمه ، ولا يضع فرسه حافره ، ولا يضع بعيره خفه ، بحيث يصير ذلك سببا لغيظ الكفار. قوله : (يَغِيظُ الْكُفَّارَ) قال ابن الأعرابي : يقال : غاظه ، وغيّظه ، وأغاظه بمعنى واحد ، أي : أغضبه. وقرأ زيد (١) بن عليّ «يغيظ» بضمّ الياء.
وقوله : (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) النّيل : مصدر ؛ فيحتمل أن يكون على بابه ، وأن يكون واقعا موقع المفعول به ، وليس ياؤه مبدلة من «واو» كما زعم بعضهم ، بل ناله ينوله مادة أخرى ، وبمعنى آخر ، وهو «المناولة» ، يقال : نلته أنوله ، أي : تناولته ، ونلته أناله ، أي : أدركته. والمعنى : ولا ينالهم من العدو أسرا ، أو قتلا ، أو هزيمة قليلا كان أو كثيرا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) أي كان ذلك قربة عند الله لهم.
قال قتادة : «هذا الحكم من خواص رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلّف عنه إلّا بعذر» (٢) وقال ابن زيد : هذا حين كان المسلمون قلّة فلمّا كثروا نسخها الله بقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً)(٣). وقال عطيّة : ما كان لهم أن يتخلفوا عن رسول الله إذا دعاهم ، وهذا هو الصحيح ؛ لأنّ إجابة الرّسول واجبة ، وكذلك غيره من الأئمة.
قال الوليد بن مسلم : سمعت الأوزاعيّ ، وابن المبارك ، وابن جابر ، وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية : إنّها لأوّل هذه الأمّة وآخرها ، وذلك لأنا لو سوّغنا للمندوب أن يتقاعد لم يختص بذلك بعض دون بعض فيؤدي ذلك إلى تعطيل الجهاد.
قوله : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) أي : تمرة فما فوقها ، وعلاقة سوط فما فوقها (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) قال الزمخشريّ : «الوادي» : كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسبيل ، وهو في الأصل فاعل من : ودى ، إذا سال ، ومنه «الوديّ». وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض. وجمع على «أودية» ، وليس بقياس ، وكان قياسه «الأوادي» ، ك «أواصل» جمع : «واصل» ، والأصل : وواصل ، قلبت «الواو» الأولى همزة. وهم قد يستثقلون واحده ، حتى قالوا : «أقيت» في «وقيت». وحكى الخليل ، وسيبويه ، في تصغير واصل اسم رجل «أويصل» ، ولا يقولون غيره قال النّحّاس (٤) «ولا أعرف فاعلا وأفعلة سواه» وقد استدرك هذا عليه ؛ فزادوا : ناد وأندية ؛ وأنشدوا : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١١٤ ، الدر المصون ٣ / ٥١١.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥١١).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥١١).
(٤) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ٤٥.