إلى حضرة الرّسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ليتفقهوا في الدّين ، وليعرفوا الحلال والحرام ويعودوا إلى قومهم ؛ فينذروا ويحذروا قومهم ، لكي يرجعوا عن كفرهم ، وعلى هذا فالمراد وجوب الخروج إلى حضرة الرّسول للفقه والتعلّم.
فإن قيل : أفتدلّ الآية على وجوب الخروج للتفقه في كلّ زمان؟.
فالجواب : متى عجز عن التفقه إلّا بالسّفر ؛ وجب عليه السّفر ، وفي زمان الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كان الأمر كذلك ؛ لأنّ الشريعة ما كانت مستقرة ، بل كان يحدث كل يوم تكليف جديد ، وشرع حادث. وأمّا الآن فقد صارت الشريعة مستقرة ؛ فإذا أمكنه تحصيل العلم في الوطن لم يجب السّفر.
قوله : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) «لو لا» تحضيضية ، والمراد به الأمر ؛ لأنّ «لو لا» إذا دخل على الفعل كان بمعنى التحضيض مثل «هلّا» ؛ لأنّ «هلّا» كلمتان «هل» وهو استفهام وعرض ؛ لأنك إذا قلت للرّجل : هل تأكل؟ فكأنّك عرضت ذلك عليه ، و «لا» وهو جحد ، ف «هلّا» مركب من أمرين : العرض ، والجحد. فإذا قلت : هلا فعلت كذا؟ فكأنك قلت : هل فعلت. ثم قلت معه «لا» أي : ما فعلت ، ففيه تنبيه على وجوب الفعل وتنبيه على أنه حصل الإخلال بهذا الواجب ، وهكذا الكلام في «لو لا» لأنك إذا قلت : لو لا دخلت عليّ ، ولو لا أكلت عندي ، فمعناه أيضا عرض وإخبار عن سرورك به ، لو فعل ، وهكذا الكلام في «لوما» ومنه قوله : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) [الحجر : ١٧] ف «لو لا» ، و «هلّا» و «لوما» ألفاظ متقاربة ، والمراد بها : الترغيب والتحضيض. و «منهم» يجوز أن يكون صفة ل «فرقة» ، وأن يكون حالا من «طائفة» ؛ لأنّها في الأصل صفة لها. وعلى كلا التّقديرين فيتعلق بمحذوف. والذي ينبغي أن يقال : إنّ (مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) حال من «طائفة» و «منهم» صفة ل «فرقة». ويجوز أن يكون (مِنْ كُلِّ) متعلقا ب «نفر». وفي الضمير من قوله «ليتفقّهوا» قولان :
أحدهما : أنّه للطّائفة النّافرة.
والثاني : للطائفة القاعدة ، والضّمير في «رجعوا» عائد على النّافرة. قال ابن العربي ، والقاضي أبو بكر ، والشيخ أبو الحسن : «إنّ الطّائفة ههنا واحد ، ويقضون على وجوب العمل بخبر الواحد ، وهو صحيح ، لا من جهة أن الطائفة تطلق على الواحد ولكن من جهة أنّ خبر الشخص الواحد أو الأشخاص خبر واحد ، وأنّ مقابله وهو التّواتر لا ينحصر».
قال القرطبي : «أنص ما يستدل به على أنّ الواحد يقال له : طائفة قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [الحجرات : ٩] أي : نفسين ، بدليل قوله : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات : ١٠] فجاء بلفظ التثنية ، وأما الضمير في : «اقتتلوا» وإن كان ضمير جماعة فأقل الجماعة اثنان في أحد القولين».