بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق ، لم ينظروا في حلف ولا عهد ولا يبقوا عليكم. والجملة الشرطية من قوله : (إِنْ يَظْهَرُوا) في محلّ نصب على الحال ، أي : كيف يكون لهم عهد ، وهم على حالة تنافي ذلك؟ وقد تقدّم تحقيق هذا عند قوله : (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) [الأعراف : ١٦٩] ، و (لا يَرْقُبُوا) جواب الشرط ، وقرأ زيد (١) بن علي : «وإن يظهروا» ببنائه للمفعول ، من أظهره عليه ، أي : جعله غالبا له ، يقال : ظهرت على فلان : إذا علوته ، وظهرت على السطح : إذا صرت فوقه.
قال اللّيث : «الظّهور : الظّفر بالشّيء ، وأظهر الله المسلمين على المشركين ، أي : أعلاهم عليهم». قال تعالى : (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) [الصف : ١٤] وقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣] أي : ليعليه.
قوله : (لا يَرْقُبُوا) قال الليث «رقب الإنسان يرقب رقبة ورقبانا ، هو أن ينتظره».
والمعنى : لا ينتظروا ، قاله الضحاك ، ورقيب القوم : حارسهم ، وقوله : (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) [طه : ٩٤] أي : لم تحفظه.
وقال قطرب : «لا يراعوا فيكم إلّا». قوله : «إلّا» مفعول به ب «يرقبوا». وفي «الإلّ» أقوال.
أحدها : أنّ المراد به العهد ، قاله أبو عبيدة ، وابن زيد ، والسديّ (٢) وكذلك الذمة ، إلّا أنه كرر ، لاختلاف اللفظين ؛ ومنه قول الشاعر : [البسيط]
٢٧٥٤ ـ لو لا بنو مالك ، والإلّ مرقبة |
|
ومالك فيهم الآلاء والشّرف (٣) |
أي : الحلف ؛ وقال آخر : [المتقارب]
٢٧٥٥ ـ وجدناهم كاذبا إلّهم |
|
وذو الإلّ والعهد لا يكذب (٤) |
وقال آخر : [الرمل]
٢٧٥٦ ـ أفسد النّاس خلوف خلفوا |
|
قطعوا الإلّ وأعراق الرّحم (٥) |
وفي حديث أمّ زرع بنت أبي زرع (٦) : «وفيّ الإلّ ، كريم الخلّ ، برود الظّلّ» أي ؛ وفيّ العهد.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٥ ، الدر المصون ٣ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧٠).
(٣) البيت لأوس بن حجر ينظر : ديوانه (٧٦) وتفسير الرازي ١٥ / ٢٣٠ الدر المصون ٣ / ٤٤٧.
(٤) البيت في تفسير الطبري ١٤ / ١٤٩ والرازي ١٥ / ٢٣٠ والدر المصون ٣ / ٤٤٧.
(٥) البيت لابن مقبل في تفسير الطبري ١٤ / ١٤٨ والبحر المحيط ٥ / ٥.
(٦) أخرجه البخاري (٩ / ١٦٣) كتاب النكاح : باب حسن المعاشرة مع الأهل حديث (٥١٨٩) ومسلم (٤ / ١٨٩٦) كتاب فضائل الصحابة : باب ذكر حديث أم زرع حديث (٩٢ ـ ٢٤٤٨) من حديث عائشة.