وقال مقاتل : هم خمسة : عبد الله بن أميّة المخزومي ، والوليد بن المغيرة ، ومكرز بن حفص ، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري ، والعاص بن عامر بن هشام ، قالوا للنبيصلىاللهعليهوسلم إن كنت تريد أن نؤمن بك ، فأت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللّات ، والعزّى ، ومناة ، وليس فيه عيبها ، وإن لم ينزله الله ، فقل أنت من عند نفسك ، أو بدله ، فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ، ومكان حرام حلالا ، وحلال حراما (١).
فإن قيل : إذا بدّل هذا القرآن فقد أتى بغير هذا القرآن ، وإذا كان كذلك ، كان كلّ واحد من هذين الأمرين هو نفس الآخر ، وممّا يدلّ على أنّ كلّ واحد منهما عين الآخر : أنّه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ اقتصر على الجواب بنفي أحدهما ، فقال : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) ، فيكون التّرديد فيه والتخيير باطلا.
فالجواب : أنّ أحد الأمرين غير الآخر ، فالإتيان بكتاب آخر ، لا على ترتيب هذا القرآن ولا على نظمه ، يكون إتيانا بقرآن آخر ، وأمّا إذا أتى بهذا القرآن ، إلّا أنّه وضع مكان ذمّ بعض الأشياء مدحها ، ومكان آية رحمة آية عذاب ، كان هذا تبديلا ، أو تقول : الإتيان بقرآن غير هذا ، هو أن يأتيهم بكتاب آخر سوى هذا الكتاب ، والتبديل : هو أن يغيّر هذا الكتاب ، مع بقاء هذا الكتاب.
وقوله : إنّه اكتفى في الجواب بنفي أحد القسمين :
قلنا : إنّ الجواب المذكور عن أحد القسمين ، هو عين الجواب عن القسم الثاني ، فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر ؛ لأنّه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بيّن ، أنّه لا يجوز أن يبدّله من تلقاء نفسه ؛ لأنّه وارد من الله ـ تعالى ـ ، ولا يقدر على مثله ، كما لا يقدر على مثله سائر العرب ؛ لأنّ ذلك كان متقررا عندهم ، لمّا تحدّاهم بالإتيان بمثله.
واعلم : أنّ التماسهم لهذا يحتمل أن يكون سخرية واستهزاء ، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل الجدّ ، ويكون غرضهم : أنه إن فعل ذلك ، علموا كذبه في قوله : إنّ هذا القرآن منزّل عليه من عند الله ، ويحتمل أن يكون التماسهم كتابا آخر ؛ لأن هذا القرآن مشتمل على ذم آلهتهم ، والطّعن في طرائقهم ، فطلبوا كتابا آخر ليس فيه ذلك ، أو يكونوا قد جوّزوا كون القرآن من عند الله ، لكنّهم التمسوا منه نسخ هذا القرآن ، وتبديله بقرآن آخر.
قوله : «تلقاء» مصدر على تفعال ، ولم يجىء مصدر بكسر التّاء ، إلّا هذا والتّبيان ، وقرىء شاذّا بفتح التّاء ، وهو قياس المصادر الدّالة على التّكرار ، كالتّطواف ، والتّجوال ، وقد يستعمل التّلقاء بمعنى قبالتك ، فينتصب انتصاب الظّروف المكانيّة.
قوله : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) لمّا أمره أن يقول : «ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٤٧).