نفسي» ، أمره بأن يقول : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) فيما آمركم به ، وأنهاكم عنه ، وهذا يدلّ على أنّه لم يحكم قط بالاجتهاد.
وتمسّك نفاة القياس بهذه الآية ؛ لأنّها تدلّ على أنّه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، ما حكم إلّا بالنّصّ. ثم قال : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) قالت المعتزلة : هذا مشروط بعدم التوبة.
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) الآية.
لمّا اتّهموه بأنّه أتى بهذا الكتاب من عند نفسه ، احتجّ عليهم بهذه الآية ؛ وذلك بأنّهم كانوا عالمين بأحواله ، وأنّه ما طالع كتابا ، ولا تتلمذ لأستاذ ، ثم بعد أربعين سنة ، أتى بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الأصول ، ودقائق علم الأحكام ، ولطائف علم الأخلاق ، وأسرار قصص الأوّلين ، وعجز عن معارضته العلماء ، والفصحاء ، والبلغاء ، فكل من له عقل سليم يعرف أنّ مثل هذا ، لا يحصل إلّا بالوحي ، والإلهام من الله ـ تعالى ـ ، والمعنى : لو شاء الله ما أنزل القرآن عليّ.
قوله : (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) أي : ولا أعلمكم الله به ، من دريت ، أي : علمت.
ويقال : دريت بكذا وأدريتك بكذا ، أي : أحطت به بطريق الدّراية ، وكذلك في «علمت به» ؛ فتضمّن العلم معنى الإحاطة ، فتعدّى تعديتها.
وقرأ (١) ابن كثير ـ بخلاف عن البزّيّ ـ «ولأدراكم» ، بلام داخلة على «أدراكم» مثبتا ، والمعنى : ولأعلمكم به من غير وساطتي : إمّا بواسطة ملك ، أو رسول غيري من البشر ، ولكنّه خصّني بهذه الفضيلة ، وقراءة الجمهور «لا» فيها مؤكّدة ؛ لأنّ المعطوف على المنفيّ منفيّ ، وليست «لا» هذه هي التي ينفى بها الفعل ؛ لأنّه لا يصحّ نفي الفعل بها إذا وقع جوابا ، والمعطوف على الجواب جواب ، ولو قلت : «لو كان كذا لا كان كذا» لم يجز ، بل تقول «ما كان كذا» ، وقرأ ابن عبّاس (٢) ، والحسن ، وابن سيرين ، وأبو رجاء : «ولا أدرأكم» بهمزة ساكنة بعد الرّاء ، وفي هذه القراءة تخريجان :
أحدهما : أنها مبدلة من ألف ، والألف منقلبة عن ياء ، لانفتاح ما قبلها وهي لغة لعقيل حكاها قطرب ، يقولون في أعطيتك : أعطأتك.
وقال أبو حاتم : «قلب الحسن الياء ألفا ، كما في لغة بني الحرث ، يقولون : علاك وإلاك، ثمّ همز على لغة من قال في العالم : العألم».
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣٢٤) ، الحجة ٤ / ٢٥٩ ، حجة القراءات ص (٣٢٨) ، إعراب القراءات ١ / ٢٦٣ ، إتحاف ٢ / ١٠٥.
(٢) ينظر : إتحاف ٢ / ١٠٦ ، الكشاف ٢ / ٣٣٥ ، المحرر الوجيز ٣ / ١١٠ ، البحر المحيط ٥ / ١٣٧ ، الدر المصون ٤ / ١٤.