واحدة في الإيمان ، ثم اختلفوا أنهم متى كانوا كذلك؟ فقال ابن عباس ، ومجاهد ـ رضي الله عنهما ـ : كانوا على عهد آدم وولده صلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين عليهما وسلامه دائما ، واختلفوا عند قتل أحد ابنيه للآخر.
وقيل إنّهم بقوا على الإيمان إلى زمن نوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، ثم اختلفوا على عهد نوح ، فبعث الله إليهم نوحا (١).
وقيل : كانوا على الإيمان من زمن نوح بعد الغرق ، إلى أن ظهر الكفر فيهم.
وقيل : كانوا على الإسلام من عهد إبراهيم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ إلى أن غيّره عمرو بن لحيّ.
وهذا القائل قال : إنّ المراد بالنّاس : العرب خاصّة ، والغرض منه : أنّ العرب إذا علموا أنّ عبادة الأصنام ما كانت أصلا فيهم ، وإنّما هي حادثة ، لم يتأذوا من تزييف الطريقة ، ولم تنفر طباعهم من إبطال هذا المذهب الفاسد.
وقال قوم : كانوا أمّة واحدة في الكفر ، قالوا : وفائدة هذا الكلام : أنّه ـ سبحانه وتعالى ـ جل ذكره ـ بيّن للرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ، أنّه لا تطمع في أن يصير كلّ من تدعوه إلى الدّين مجيبا له ، فإنّ النّاس كانوا على الكفر ، وإنّما حدث الإسلام في بعضهم بعد ذلك ، فكيف تطمع في اتّفاق الكلّ على الإيمان؟.
وقيل : المراد بكونهم أمّة واحدة : أنّهم خلقوا على فطرة الإسلام ، ثم اختلفوا في الأديان ، وإليه الإشارة بقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ «كلّ مولود يولد على فطرة الإسلام ، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» (٢).
ثم قال : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بأن جعل لكلّ أمّة أجلا ، وقال الكلبيّ : هي إمهال هذه الأمّة ، وأنّه لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا (٣) ، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بنزول العذاب ، وتعجيل العقوبة للمكذّبين ، وكان ذلك فصلا بينهم ، (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
وقال الحسن ـ رحمهالله ـ (لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) مضت في حكمه ، أنّه لا يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثّواب والعقاب دون القيامة (٤) ، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) في الدنيا ، فأدخل
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٤٢) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٤٢) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) أخرجه مالك (١ / ٢٤١) رقم (٥٢) والبخاري (١١ / ٤٩٣) كتاب القدر : باب الله أعلم بما كانوا عاملين رقم (٦٥٩٩) ومسلم (٤ / ٢٠٤٨) كتاب القدر : باب معنى كل مولود يولد على الفطرة رقم (٢٥ / ٢٦٥٨) وأحمد (٢ / ٢٣٣) وأبو داود كتاب السنة : باب في ذراري المشركين حديث (٤٧١٤) والترمذي كتاب القدر : باب كل مولود يولد على الفطرة حديث (٢٢٢٣) من حديث أبي هريرة.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٤٨) والقرطبي في «تفسيره» (٨ / ٢٠٦).
(٤) انظر المصدر السابق.