العظيمة من كل جانب ، أو يغلب على ظنونهم أنّ الهلاك واقع بالانتقال من تلك الأحوال الطيّبة ، إلى هذه الأحوال الشديدة ، فوجب الخوف العظيم ، والإنسان في هذه الحالة ، لا يطمع إلا في فضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ، ويقطع طعمه عن جميع الخلق ، ويصير بجميع أجزائه متضرّعا إلى الله ـ تعالى ـ ، ثمّ إذا نجّاه الله ـ تعالى ـ من هذه البليّة العظيمة ، نسي النّعمة ، ورجع إلى ما ألفه من العقائد الباطلة.
قوله : «ينشركم» قراءة ابن (١) عامر من النّشر ضدّ الطيّ ، والمعنى : يفرّقكم ويبثّكم ، وقرأ الحسن (٢) : «ينشركم» ، من «أنشر» أي : أحيا ، وهي قراءة ابن مسعود أيضا ، وقرأ (٣) بعض الشّاميين : «ينشّركم» بالتشديد ؛ للتّكثير من النّشر الذي هو مطاوع الانتشار ، وقرأ الباقون : «يسيّركم» من التّسيير ، والتّضعيف فيه للتعدية ، تقول : سار الرّجل ، وسيّرته أنا.
وقال الفارسيّ : «هو تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية ؛ لأنّ العرب تقول : سرت الرّجل وسيّرته».
ومنه قول الهذليّ : [الطويل]
٢٨٨٢ ـ فلا تجزعن من سنّة أنت سرتها |
|
فأوّل راض سنّة من يسيرها (٤) |
وهذا الذي قاله أبو علي غير ظاهر ؛ لأنّ الأكثر في لسان العرب ، أنّ «سار» قاصر ، فجعل المضعف مأخوذا من الكثير أولى.
وقال ابن عطيّة : «وعلى هذا البيت اعتراض ، حتّى لا يكون شاهدا في هذا ؛ وهو أن يكون الضّمير كالظرف كما تقول : سرت الطريق».
قال أبو حيّان (٥) : «وأمّا جعل ابن عطيّة الضّمير كالظّرف كما تقول : سرت الطّريق. فهذا لا يجوز عند الجمهور ؛ لأنّ «الطّريق» عندهم ظرف مختصّ كالدّار ، فلا يصل إليها الفعل غير «دخلت» عند سيبويه ، و «انطلقت» و «ذهبت» عند الفرّاء ـ إلّا بوساطة «في» ، إلّا في ضرورة ، وإن كان كذلك فضميره أحرى أن لا يتعدّى إليه الفعل».
وزعم ابن الطّراوة أنّ «الطّريق» ظرف غير مختصّ ، فيصل إليه الفعل بنفسه ، وأباه النّحاة».
قوله : (حَتَّى إِذا) «حتّى» متعلقة ب «يسيّركم» ، وقد تقدّم الكلام على «حتّى» هذه
__________________
(١) وقرأ بها أيضا زيد بن ثابت وأبي العالية وأبي جعفر وعبد الله بن جبير بن الفصيح وشيبة. ينظر : السبعة ص (٣٣٥) ، الحجة ٤ / ٢٦٥ ، حجة القراءات ص (٣٢٩) ، إعراب القراءات ١ / ٢٦٥ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ١٠٧ ، الكشاف ٢ / ٣٣٨.
(٢) ينظر : إتحاف ٢ / ١٠٧ ، المحرر الوجيز ٣ / ١١٣ ، البحر المحيط ٥ / ١٤١ ، الدر المصون ٤ / ١٦.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٤١ ، الدر المصون ٤ / ١٦.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٤١.