الداخلة على «إذا» [النساء : ٦] ، قال الزمخشري : «كيف جعل الكون في الفلك غاية التّسيير في البحر ، والتّسيير في البحر ، إنّما هو بالكون في الفلك؟ قلت : لم يجعل الكون في الفلك غاية التّسيير ، ولكنّ مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد «حتّى» بما في حيّزها ، كأنّه قال : يسيّركم حتّى إذا وقعت هذه الحادثة ، فكان كيت وكيت من مجيء الرّيح العاصف ، وتراكم الأمواج ، والظّن للهلاك ، والدّعاء بالإنجاء» ، وقرأ أبو الدّرداء وأمّ الدرداء (١) : «في الفلكيّ» بياء النّسب ، وتخريجها يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يراد به الماء الغمر الكثير ، الذي لا يجري الفلك إلّا فيه ، كأنّه قيل : كنتم في اللّجّ الفلكيّ ، ويكون الضمير في «جرين» عائدا على الفلك ؛ لدلالة «الفلكي» عليه لفظا ، ولزوما.
والثاني : أن يكون من باب النّسبة ، كقولهم : «أحمريّ» ، كقوله : [الرجز]
٢٨٨٣ ـ أطربا وأنت قنّسريّ |
|
والدّهر بالإنسان دوّاريّ (٢) |
وكنسبتهم إلى العلم ، في قولهم : «الصّلتانيّ» ، كقوله : [الطويل]
٢٨٨٤ ـ أنا الصّلتانيّ الذي قد علمتم |
|
......... (٣) |
فزاد ياء النّسب في اسمه.
قوله : (وَجَرَيْنَ) يجوز أن يكون نسقا على «كنتم» ، وأن يكون حالا على إضمار «قد» ، والضمير عائد على «الفلك» ، والمراد به هنا : الجمع ، وقد تقدّم أنه تكسير ، وأنّ تغييره تقديريّ [البقرة : ١٦٤] ، فضمّته كضمّة «بدن» ، وأنّه ليس باسم جمع كما زعم الأخفش.
وقوله : «بهم» فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة.
قال الزمخشري (٤) : «فإن قلت ما فائدة صرف الكلام ، عن الخطاب إلى الغيبة؟ قلت : المبالغة ؛ كأنه يذكر لغيرهم حاله ليعجّبهم منها ، ويستدعي منهم الإنكار والتّقبيح» ، وقال ابن عطيّة : «بهم : خروج من الخطاب إلى الغيبة ، وحسن ذلك ؛ لأنّ قوله : (كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) هو بالمعنى المعقول ، حتى إذا حصل بعضكم في السّفن». انتهى ، فقدّر اسما غائبا ، وهو ذلك المضاف المحذوف ، فالضمير الغائب يعود عليه ، ومثله (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٣٨ ، المحرر الوجيز ٣ / ١١٣ ، البحر المحيط ٥ / ١٤٢ ، الدر المصون ٤ / ١٧.
(٢) تقدم.
(٣) صدر بيت وعجزه :
متى ما يحكم فهو بالحق صادع
ينظر : أما لي القالي ١ / ج ١٤١ ومعاهد التنصيص ١ / ٨٤ والشعر والشعراء ١ / ١٧٦ والمحتسب ١ / ٣١١ والخزانة ٢ / ١٧٦ والأشموني ٤ / ٢٠٣ والبحر المحيط ٥ / ١٤٢ ، والدر المصون ٤ / ١٧.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٣٨.