أي : ميّزنا وفرّقنا بينهم ، وجاءت هذه الكلمة على لفظ الماضي ، بعد قوله : (ثُمَّ نَقُولُ) وهو مستقبل ؛ لأنّ ما جاءكم الله به ، سيكون صار كالكائن الآن ، كقوله : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٤٤].
وأضاف الشّركاء إليهم ؛ لأنّهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم.
وقيل : لأنّ الإضافة يكفي فيها أدنى تعليق ، فلمّا كان الكفّار هم الذين أثبتوا هذه الشّركة ، حسنت إضافة الشركاء إليهم ، وقيل : لمّا خاطب العابدين والمعبودين بقوله «مكانكم» صاروا شركاء في هذا الخطاب.
قال بعض المفسّرين : المراد بهؤلاء الشّركاء : الملائكة ، واستشهدوا بقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠] ، وقيل : هم الأصنام ، ثم اختلف هؤلاء كيف ذكرت الأصنام هذا الكلام؟ فقيل : إن الله ـ تعالى ـ يخلق فيها الحياة والعقل والنّطق ، وقيل : يخلق فيهم الرّوح من غير حياة ، حتّى يسمعوا منهم ذلك.
فإن قيل : إذا أحياهم الله هل يبقيهم أو يفنيهم؟.
فالجواب : أنّ الكلّ محتمل ، ولا اعتراض على الله في أفعاله ، وأحوال القيامة غير معلومة ، إلّا القليل ، ولا شك أن هذا خطاب تهديد في حق العابدين ، فهل يكون تهديدا في حق المعبودين؟ قالت المعتزلة : لا يجوز ذلك ؛ لأنّه لا ذنب للمعبود ، ومن لا ذنب له ، لم يصحّ تهديده ، وتخويفه ، وقال أهل السّنّة : لا يسأل عما يفعل.
فإن قيل : قول الشركاء : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) وهم كانوا قد عبدوهم ، يكون كذبا ، وقد تقدّم في سورة الأنعام ، اختلاف الناس في أنّ أهل القيامة هل يكذبون أم لا؟.
والجواب ههنا : أنّ منهم من قال : المراد من قولهم : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) : هو أنّكم ما عبدتمونا بأمرنا وإرادتنا ؛ لأنّهم استشهدوا بالله في ذلك بقولهم : (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) ، وبقولهم : (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) ، ومن النّاس من أجرى الآية على ظاهرها ، وقالوا : إنّ الشّركاء أخبروا أنّ الكفار ما عبدوها لوجوه :
الأول : أنّ ذلك الموقف موقف دهشة وحيرة ، فذلك الكذب جار مجرى كذب الصبيان ، والمجانين والمدهوشين.
الثاني : أنّهم ما أقاموا لأعمال الكفّار وزنا ، وجعلوها لبطلانها كالعدم ، فلهذا قالوا : ما عبدونا.
الثالث : أنهم تخيّلوا في الأصنام التي عبدوها صفات كثيرة ، فهم في الحقيقة إنّما عبدوا ذواتا موصوفة بتلك الصفات ، ولمّا كانت ذواتها خالية عن تلك الصفات ، فهم ما عبدوها ، وإنما عبدوا أمورا تخيّلوها ولا وجود لها في الأعيان ، وتلك الصّفات التي تخيّلوها في الأصنام : أنها تضرّ ، وتنفع ، وتشفع عند الله.